جانب من اخلاقه (عليه السلام) السامقة

الأخلاق إحدى الجهات الإنسانية التي عني بها دين الإسلام، واهتم بها اهتماماً كبيراً، والذي يستقصي تعاليم الكتاب وإرشادات السنة يعلم مقدار هذا الاهتمام، ومبلغ هذه العناية، وهذه الظاهرة في الدين الإسلامي إحدى مميزاته عن سائر الأديان، وإحدى مؤهلاته للخلود.

ولقد تجسدت هذه الأخلاق عملاً في حياة الأنبياء والأوصياء والصالحين، ومن هؤلاء الإمام الصادق(عليه السلام) حيث تزخر حياته(عليه السلام) بالمواقف الأخلاقية التي تشير إلى الشخصية الإسلامية المؤمنة المتكاملة والتي منها الكرم  والصبر والتواضع والشجاعة...الخ.

فالإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) فرع كبير مشرق من تلك الدوحة النبوية الكريمة الباسقة... غرف من بحور مدينة علم جده الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله) وآبائه الأئمة الأطهار(عليهم السلام)، وزانه الله تعالى بعظيم الخُلُق وأنبل السجايا والصفات، فكان في زمانه قبلة أنظار أهل العلم والدارسين، وقدوة المتقين السالكين، وما زالت آثاره الخالدة ومآثره الطيبة تشعّ نوراً وهدى على مدى الأجيال.

لقد كان الإمام الصادق(عليه السلام) مثلاً أعلى للأخلاق الفاضلة والصفات الجميلة والمزايا الحميدة، فهو الصادق في القول والفعل، والناطق بالحقّ، والعالم العامل بعلمه، والموجّه للأُمّة بدعوته، وما أجمع علماء الإسلام على اختلاف نزعاتهم وطوائفهم كما أجمعوا على فضله وعلمه.

ولقد وصفه المنصور الدوانيقي وهو خصمه الألدّ بقوله: (إنّه ممّن اصطفاه الله، وكان من السابقين في الخيرات)[1].

شهد الأنام بفضله حتّى العدا             والفضل ما شهدت به الأعداء

ويقول عنه مالك بن أنس فقيه المدينة: والله ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد(عليهما السلام) زهداً وفضلاً وعبادةً وورعاً، وكنت أقصده فَيُكْرِمُني ويُقْبِل عليّ[2].

ويقول عنه أيضا: كنت أدخل إلى الصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام) فيقدّم لي مخدة، ويعرف لي قدرا ويقول: يا مالك إني أحبك، فكنت أُسرّ بذلك وأحمد الله عليه، قال: وكان(عليه السلام) رجلاً لا يخلو من إحدى ثلاث خصال: إما صائماً، وإما قائماً، وإما ذاكراً، وكان من عظماء العُبّاد، وأكابر الزهّاد الذين يخشون الله عز وجل، وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) اخضرّ مرة، واصفرّ أخرى حتى يُنكره من كان يعرفه، ولقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عند الإحرام، كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخرَّ من راحلته فقلتُ: قُلْ يا ابن رسول الله، ولابد لك من أن تقول، فقال: (يا ابن أبي عامر كيف أجسر أن أقول: لبيك اللهم لبيك، وأخشى أن يقول عز وجل لي: لا لبيك ولا سعديك)[3].

ووصفه عمرو بن المقدام بقوله: ما نظرت إلى جعفر بن محمّد إلاّ وعلمت أنّه من سلالة النبيّين[4].

وقد ثبت عن الإمام زيد بن عليّ(عليهما السلام) أنّه قال: (إنّه -أي الصادق- حجّة الله، لا يضلّ من تبعه، ولا يهتدي من خالفه)[5].

وحسبنا ونحن نضيء هذه الصفحات القليلة بقبس من جذوة عطائه الجمّ، أن نتعرّف على بعض سجاياه وأخلاقه، مما نقلته إلينا الكتب من روايات كثيرة تكشف عمّا أراد الإمام(عليه السلام) أن يؤدّب به أصحابه وأهل الإيمان، مقتصرين على نبذة يسيرة من الروايات المتضمنة للعديد من دروس الأخلاق العملية.

 


[1] تاريخ اليعقوبي: ج2، ص177.

[2] مناقب آل أبي طالب لإبن شهر آشوب: ج3، ص372.

[3] الأمالي للشيخ الصدوق: ص 169.

[4] تهذيب الاسماء للنووي: ج1، ص149.

[5] مناقب آل أبي طالب لإبن شهر آشوب: ج3، ص397.