لا زال الكلام في السلسلة المهدوية، وفي هذه الحلقة نتكلم عن أهم سمات أنصار الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وفق ما جاء في روايات أهل البيت (عليهم السلام)، فأحاديثهم الشريفة ورواياتهم المطهرة (عليهم السلام) قد ذكرت مجموعة من الصفات التي لابد أن يتصف بها أنصار الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، مراعين في ذلك الاختصار والبساطة في الطرح؛ ليسهل على القّراء الكرام فهمه والعمل بمقتضاه.
إنهم المنتظرون:
إن من أساليب تحصين ذواتنا وأنفسنا ضد الانحراف هو أن نكون في حالة انتظار، في حالة ترقّب دائم مستمر لبزوغ فجر الثورة الكبرى، ثورة القائد المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف). يجب أن نعيش حالة توقّع غير يائس، ولا جازع، عيوننا متطلّعة للحدث الأكبر، أسماعنا متلهفة لاستماع خبر النهضة العظمى، أفئدتنا مفعمة بالشوق والشغف لساعة الوعد الإلهي. أن نكون على أهبة الاستعداد، ننتظر المفاجأة، لا تغيب عن أذهاننا قضية الإمام المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ولا ننسى الوعد الإلهي بالنصر الظافر.
هكذا أراد لنا الأئمّة (عليهم السلام) أنفسهم، وسجّلوه كموقف يجب أن نتخذه وكحالة نفسية يجب أن نستشعرها ونعيشها باستمرار. استمع معي إيها الموالي للإمام علي (عليه السلام) وهو يقول:(انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح الله، فإنّ أحبّ الأعمال إلى الله انتظار الفرج).الخصال للصدوق:ص616.
وعَنْ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّه هَلْ تَعْرِفُ مَوَدَّتِي لَكُمْ وانْقِطَاعِي إِلَيْكُمْ ومُوَالاتِي إِيَّاكُمْ؟ قَالَ: فَقَالَ(عليه السلام): نَعَمْ، قَالَ: فَقُلْتُ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةً تُجِيبُنِي فِيهَا فَإِنِّي مَكْفُوفُ الْبَصَرِ قَلِيلُ الْمَشْيِ ولَا أَسْتَطِيعُ زِيَارَتَكُمْ كُلَّ حِينٍ قَالَ(عليه السلام): هَاتِ حَاجَتَكَ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِدِينِكَ الَّذِي تَدِينُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ بِه أَنْتَ وأَهْلُ بَيْتِكَ لأَدِينَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ بِه قَالَ(عليه السلام): إِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ فَقَدْ أَعْظَمْتَ الْمَسْأَلَةَ واللَّه لأُعْطِيَنَّكَ دِينِي ودِينَ آبَائِيَ الَّذِي نَدِينُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ بِه، شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله) والإِقْرَارَ بِمَا جَاءَ بِه مِنْ عِنْدِ اللَّه، والْوَلَايَةَ لِوَلِيِّنَا، والْبَرَاءَةَ مِنْ عَدُوِّنَا، والتَّسْلِيمَ لأَمْرِنَا، وانْتِظَارَ قَائِمِنَا، والِاجْتِهَادَ والْوَرَعَ). الكافي للكليني:ج2،ص22.
إنّ مسؤوليتنا هي:
أن نسير على هدي الأنبياء والمرسلين والأئمة(عليهم السلام)، ونسلط الضوء على مناهجهم وتعاليمهم، ونحث الآخرين على سلوك هذا الطريق وعدم الانحراف عنه؛ للوصول إلى آخر حلقة من حلقاته، وآخر مرحلة من مراحله إلا وهي مرحلة الظهور المبارك.
عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): (..تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله والأئمة بعده، يا با خالد إن أهل زمان غيبته والقائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره (عليه السلام) أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عنهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)بالسيف، أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين الله سراً وجهراً، وقال (عليه السلام): انتظار الفرج من أعظم الفرج).
بحار الأنوار:ج36،ص387.
إنهم الثابتون:
حينما نعرف أنّنا على حق فما علينا إلاّ أن نثبت، وحينما نعرف أنّ خصومنا على ضلال فما علينا إلاّ أن لا نتنازل لهم قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ). سورة إبراهيم:27.
هل تعرفون ثبات أبي ذر، وميثم التمّار وحجر بن عدي؟ لقد ثبت
أبو ذر (رضي الله عنه) وأربك الانحراف، حتى اضطرّوا إلى نفيه للربذة، الخالية من الناس والخالية من القوت، ولكن شيئاً من ذلك لم يمنعه عن الإصراح بالحق، والصراخ في وجوه الظالمين، ولقد قال له الإمام علي (عليه السلام) ساعة توديعه وهو راحل إلى الربذة: (يا أبا ذر إنّك غضبت لله، فارجُ مَنْ غضبت له. إنّ القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك...). نهج البلاغة:ج2،ص12.
ولقد ثبت ميثم التمّار، ولم يعبأ أن تقطع يداه ورجلاه، ثم يقطع لسانه، فهو مشدود إلى جذع نخلة، لم ينقطع عنه نزيف الدم، كان يفضح الباطل، ويشهّر بحكم الطواغيت، ويعرّف الناس بالحق، ويلقّنهم درساً في الثبات والنضال، حتى اضطرّ خصومه لأن يقطعوا لسانه فيكفّ عن الكلام، وأنت تعرف حجر بن عدي، بطل من أبطال جبهة الإمام علي (عليه السلام)، وغيرهم كُثُر قد نالوا درجة الشهادة؛ لثباتهم على القيم والثوابت التي أسس لها النبي وآله الاطهار (عليهم السلام).
هؤلاء كيف ثبتوا؟ لقد علموا أنّ الحق معهم، والحق لا يعدله شيء، والهزيمة عن الحق ارتماء في أحضان الضلال، وجرم ليس مثله جرم، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فأولئك حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ في الدُنيا وَالآخِرَة). سورة البقر:217. ولقد شرح لنا الإمام الحسين (عليه السلام) قيمة الثبات، وهو في معرض الحديث عن القائد المنتظر، فقال(عليه السلام): (...له غيبة يرتدّ فيها أقوام، ويثبت على الدين آخرون، ويقال لهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ أما أنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)). كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ص317. وعَنْ يَمَانٍ التَّمَّارِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) جُلُوساً فَقَالَ(عليه السلام) لَنَا: (إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَةً، الْمُتَمَسِّكُ فِيهَا بِدِينِه كَالْخَارِطِ لِلْقَتَادِ ثُمَّ قَالَ(عليه السلام): ...فَأَيُّكُمْ يُمْسِكُ شَوْكَ الْقَتَادِ بِيَدِه؟ ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ(عليه السلام): إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَةً، فَلْيَتَّقِ اللَّه عَبْدٌ ولْيَتَمَسَّكْ بِدِينِه). الكافي للكليني: ج1، ص336.
أنّهم الذين أخذ الله ميثاقهم:
عن علي بن أبي حمزة عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (لو قد قام القائم (عليه السلام) لأنكره الناس، لأنّه يرجع إليهم شاباً مُوفَّقاً، لا يَثبُت عليه إلاّ مؤمنٌ قد أخذ الله ميثاقَه في الذرّ الأوّل). الغَيبة للنعماني: ص194. وفي هذا الحديث عبرة للمعتبر وذكرى للمتذكر المتبصر وهو قوله (عليه السلام): يخرج إليهم شاباً موفقاً لا يثبت عليه إلا مؤمن قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول. فهل يدل هذا إلا على أن الناس يستبعدون مدة العمر، ويستطيلون المدى في ظهوره وينكرون تأخره وييأسون منه، فيطيرون يمينا وشمالا، وتتفرق بهم المذاهب وتنشعب لهم طرق الفترة، ويغترون بلمع السراب من كلام المفتونين، فإذا ظهر بعد سنين طويلة توجب الشيخوخة والكبر وحنو الظهر وضعف القوى، شاباً موفقاً أنكره من كان في قلبه مرض وثبت عليه من سبقت له من الله الحسنى.
عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) يَقُولُ: (إِيَّاكُمْ والتَّنْوِيه، أَمَا واللَّه لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ، ولَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى يُقَالَ مَاتَ قُتِلَ هَلَكَ بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ، ولَتَدْمَعَنَّ عَلَيْه عُيُونُ الْمُؤْمِنِينَ ولَتُكْفَأنَّ كَمَا تُكْفَأُ السُّفُنُ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ فَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقَه وكَتَبَ فِي قَلْبِه الإِيمَانَ وأَيَّدَه بِرُوحٍ مِنْه...).الكافي:ج1،ص336.
إنهم المتفقهون في دينهم:
عن الإمام الكاظم (عليه السلام): (تفقهوا في دين الله، فإن الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملاً).تحف العقول:ص410.عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه(عليه السلام) يَقُولُ: (تَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ فَإِنَّه مَنْ لَمْ يَتَفَقَّه مِنْكُمْ فِي الدِّينِ فَهُوَ أَعْرَابِيٌّ إِنَّ اللَّه يَقُولُ فِي كِتَابِه: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).سورة التوبة:آية122.الكافي للكليني:ج1،ص31. عن الأصبغ بن نباتة قال: خطب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام):(... يا بني ليبر صغاركم كباركم، وليرأف كباركم بصغاركم، ولا تكونوا كالغواة الجفاة الذين لم يتفقهوا في الدين، ولم يعطوا في الله محض اليقين...).كنز العمال للمتقي الهندي:ج14،ص594. وفي مقابل ذلك أنّ من لم يتفقه في دينه يكون عرضة للانحراف والتشكيك والضلال، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد مما استقبله رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جهالة الجاهلية. قلت: وكيف ذلك؟ قال(عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوته، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، يحتج عليه به، ثم قال: أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر). الغَيبة للنعماني: ص307.
أنّهم أصحاب البصيرة لا تضرّهم الفتنة:
أصحاب البصيرة لهم رؤيا صائبة، يضعون أقدامهم على الطريق بوعي ونباهة واختيار ولجميع أعمالهم ومواقفهم جذور اعتقادية وأُسس دينية، وجميع مواقفهم مبدئية لا انتهازية ولا نفعية، وليست منبثقة من التعصب القومي والجاهلي، وهم لا يتأثرون بالدعايات الباطلة الخدّاعة، ولا يستجيبون لسلطان القهر. عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر(عليه السلام): (إنّما مَثَل شيعتنا مَثَل أندر ( يعني بيدراً فيه طعام ) فأصابة آكِل – أي السوس- فنُقّي، ثمّ أصابه آكل فنقّي، حتّى بقي منه ما لا يضرّه الآكل؛ وكذلك شيعتُنا يُميَّزون ويُمحَّصون حتّى تبقى منهم عصابة لا تضرّها الفتنة).الغَيبة للنعماني:ص218. وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (...أنّ الله تبارك وتعالى عَلِمَ أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون ما أفقدهم حُجّتَه طرفةَ عين، ولَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى رَأْسِ شِرَارِ النَّاسِ). الكافي للكليني:ج1،ص333.
قلّة عددهم:
نَوَّهت الرواياتُ الواردة عن الصادق المصدَّق(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام) بأنّهم أنصار الحقّ، ووصفتهم إحدى الروايات بأنّهم: (...الأتقياء الأنقياء الأبرار الأصفياء وما هم في أمتي إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود في الليل الغابر). عيون أخبار الرضا للصدوق: ج2، ص140.
وعن الإمام الصادق(عليه السلام)أنّه قال: (واللهِ لَتُمحَّصُنَّ، واللهِ لَتَطيرُنَّ يَميناً وشمالاً حتّى لا يبقى منكم إلاّ كلّ امرئٍ أخَذَ اللهُ ميثاقَه، وكَتَب الإيمانَ في قلبه، وأيّده برُوح منه).الغَيبة للنعماني:ص33. وفي رواية أخرى عنهم (عليهم السلام): (حتّى لا يبقى منكم على هذا الأمر إلاّ الأندَر فالأندر). الغَيبة للنعماني: ص34.
الوجه في قلة أنصار الإمام(عجل الله تعالى فرجه الشريف): السؤال لماذا هذه القلة في الأعوان والأنصار؟! هذا سؤال كبير يحيّر الألباب، أليس الإمام(عليه السلام) شخصية ربانية ادخرها واعدّها الله تعالى لليوم الموعود؟
أليس الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) شخصية عالمية تنتظرها البشرية منذ قديم الزمان؟
أليس الجميع يدعي أنه بإنتظار قدومه وخروجه ليكون من أنصاره وأعوانه؟!
يبدو أن الامر يتلخص كالاتي:
الأمر الأول: أن الإمام الحجّة(عجل الله تعالى فرجه الشريف) يأتيهم بخلاف ما كانوا يتصورون عنه ويعتقدون به، حيث إن تصوراتهم لا تنطبق مع حقيقة الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) الذي ادخّره الله للإصلاح، عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) أنه قال: (لو قد قام القائم لأنكره الناس، لأنه يرجع إليهم شابا موفقا لا يثبت عليه إلا من قد أخذ الله ميثاقه في الذر الأول).الغَيبة للنعماني:ص194. لذا فهم يواجهون الشخصية الحقيقية المخالفة لتصوراتهم السابقة، فيواجهونه بمختلف التهم والافتراءات، ويكذبون مقالته بأنه هو الحجة القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) تماماً، كما كذب المشركون واليهود رسول الله(صلى الله عليه وآله) وافتروا عليه، وأثاروا الناس عليه إلى درجة أفرغوا كرشة الشاة على رأسه الشريف وهو ساجد يصلي في بيت الله الحرام، ولم يؤمنوا به لأنه جاء على خلاف تصوراتهم واعتقاداتهم السابقة، بسبب التحريف والتزييف.
الأمر الثاني: أن غالبية الناس ليسوا صادقين في أقوالهم وادعاءاتهم، فهم يطلقون شعارات التضحية والفداء في سبيل مبادئهم وقيمهم ولكن عندما يرون أن القضية تتطلب بذل المال أو النفس فعلاً فسرعان ما يتراجعون ويتهربون. فادعاء التدين والتمسك بالقيم أحاديث يتحدثون بها حينما تكون الأمور تسير على ما يرام، ولكن إذا ضاقت عليهم الحياة وتطلب الأمر الجهاد والصمود فلا ترى أحداً في الميدان إلاّ القليل، وإلى هذه الحقيقة أشار الإمام الحسين(عليه السلام) قائلاً: (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم فإذا محّصوا بالبلاء قلَّ الديانون). شجرة طوبى: ص245.
أنّهم المستضعَفون في الأرض:
ليس المستضعف هو الضعيف والفاقد للقدرة والقوّة، بل المستضعف من لديه قوى بالفعل وبالقوة، ولكنّه واقع تحت ضغوط الظلمة والجبابرة، وبرغم أنّه مكبل بالأغلال في يديه ورجليه فإنّه غير ساكت، ولا يستسلم، ويسعى دائماً لتحطيم الأغلال ونيل الحرية، والتصدي للجبابرة والمستكبرين، ونصرة مبدأ العدل والحق. وقد نصّ الوعد الإلهي الذي لا يتخلّف على أنّ الله تبارك وتعالى سيَمُنّ على المستضعفين في الأرض ويجعلهم أئمّة ويجعلهم الوارثين الذين يَرِثون الأرض قال الله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ). سورة القصص:5. وعلى الرغم من أنّ المصداق الأبرز والأوضح للآية هو الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الذي سَيَرِث الأرض، إلاّ أنّ أصحابه وأنصاره ينطوون أيضاً ضمن مصداق الآية الكريمة. وقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (كونوا كالنَّحل في الطَّير، ليس شيءٌ من الطير إلاّ وهو يَستضعفها..). الغَيبة للنعماني: ص217.
أنهم البسطاء المجهولون المُتنقّلون:
روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه تطرّق إلى ذِكر الشيعة (في حديث مفصّل) فقيل له: جُعلت فِداك، فأين أطلب الموصوفين بهذه الصفة؟ فقال(عليه السلام): (اطلبهم في أطراف الأرض، أولئك الخَفيضُ عَيشُهم، المُنتقلةُ دارُهم، الذين إن شَهِدوا لم يُعرَفوا، وإن غابوا لم يُفتَقَدوا، وإن مَرِضوا لم يُعادوا، وإن خَطَبوا لم يُزَوَّجوا، وإن ماتوا لم يُشهَدوا، أولئك الذين في أموالهم يتواسون ،وفي قبورهم يتزاورون، ولا تختلف أهواؤهم وإن اختلفت بهم البلدان).الغَيبة للنعماني:ص211.
أنّهم الغُرباء الفارّون بدينهم:
روي عن الإمام الجواد (عليه السلام): (إذا مات ابني عليّ بدا سراجٌ بعده ثمّ خَفِي، فويلٌ للمرتاب، وطُوبى للغريب الفارّ بدينه، ثمّ يكون بعد ذلك أحداث تَشيب فيها النواصي، ويُسيَّر الصُّمّ الصِّلاب). الغَيبة للنعماني:ص192. أي حيرة أعظم من هذه الحيرة التي أخرجت من هذا الأمر الخلق الكثير والجم الغفير، ولم يبق عليه ممن كان فيه إلا النزر اليسير، وذلك لشك الناس، وضعف يقينهم، وقلة ثباتهم على صعوبة ما ابتلي به المخلصون الصابرون والثابتون والراسخون في علم آل محمد (عليهم السلام) الراوون لأحاديثهم هذه، العالمون بمرادهم فيها، الدارون لما أشاروا إليه في معانيها، الذين أنعم الله عليهم بالثبات، وأكرمهم باليقين وروي عن أمير المؤمنين(عليه السلام)أنّه قال لشيعته: (... خالِطوا الناسَ بأبدانكم، وزايِلوهم بقلوبِكم وأعمالِكم...).الغَيبة للنعماني:ص33، وأنّه قال: (لا تَستوحِشوا في طريق الهُدى لقلّةِ أهلِه).نهج البلاغة:ص181.