وبعد خروجهما رن جرس الهاتف فأخبرت بوجود موعد مع إحدى المدارس الثانوية غداً صباحاً وهذا يستلزم إعداد برنامج خاص لاستقبالهم لذا اتصلت بأم ضحى وأخبرتها بضرورة تغيير الموعد واتفقنا على تغيير موعد الدرس من الصباح إلى المساء.
وفي مساء اليوم التالي جاءت ضحى وأمها وبعد التحية والسلام بادرتُ بالكلام واعتذرتُ عن تغيير الموعد .
- فقالت أم ضحى: بل نحن نعتذر فلعلك متعبة من العمل اليوم .
- فقلت: لا عليكما، فاليوم سنتحدث عن النفاس.
- فقالت ضحى: النفاس معروف لدينا طبياً ولكن ما هو تعريفه شرعاً؟
- فقلت: هو الدم الذي تراه المرأة عند الولادة أو بعدها بسبب الولادة.
- أم ضحى: هل يوجد حد لأقل النفاس وأكثره كما في الحيض؟
- لا حدَّ لأقل النفاس فيمكن أن يكون لحظة واحدة ولكن أكثره عشرة أيام، بمعنى: أنه إذا ولدت المرأة ونزل الدم و لم يتجاوز الدم العشرة فكله نفاس.
- ضحى: إذا ولدت المرأة واستمر نزول الدم عليها يومين وانقطع فما حكمه؟
- هو نفاس فيجب عليها الغسل بعد النقاء و الإتيان بالعبادة كالصلاة ونحوها.
- أم ضحى: إذا ولدت المرأة واستمر عليها نزول الدم أكثر من عشرة أيام (كما إذا استمر الدم أحد عشر يوماً فأكثر) فما حكمه؟
- يختلف عدد أيام نفاسها حسب حالها في الحيض وحسب الصور الآتية :
1-إذا كانت المرأة ذات عادة عددية ثابتة (قبل حملها) كان نفاسها بمقدار عدد عادتها والباقي استحاضة.
مثلاً: إذا ولدت المرأة واستمر دم الولادة 15يوماً وكان عدد عادتها 5 أيام فنفاسها 5أيام فتغتسل - بعد اليوم الخامس- غسل النفاس والباقي استحاضة.
2-إذا كانت وقتية أو مضطربة فنفاسها 10 أيام فتغتسل غسل النفاس بعد اليوم العاشر والباقي استحاضة.
- ضحى: وماذا تفعل النفساء إن لم تعلم أن الدم سيتجاوز العشرة ؟
- إذا استمر نزول الدم واحتملت انقطاعه في اليوم العاشر أو قبل إتمام العشرة فالأحوط الأولى أن تستظهر عشرة أيام، أي تترك العبادة طلباً لظهور حالها، فإذا انقطع الدم على العشرة أو قبله فتغتسل وتعمل أعمال الطاهرة وليس عليها شيء، ولو استمر الدم وتجاوز العشرة فتعمل كما تقدم ويجب عليها قضاء الصلاة والصيام في الفترة بعد نفاسها إلى عشرة أيام.
- أم ضحى: يا ويلي فقد كنت أجعل نفاسي أربعين يوماً ولا أصلي في تلك الفترة فماذا أفعل ؟
- إن هذا من الأخطاء الشائعة عند النساء وليس حكماً شرعياً، وما أكثر فتاوى النساء التي ما أنزل الله بها من سلطان، والمشكلة أنهن يدعين أن هذا هو الحكم الشرعي، وقد قال أبو الحسن (عليه السلام): (من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة الأرض وملائكة السماء)([1])، وعن الباقر (عليه السلام): (من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه)([2]) فينبغي أن لا يتكلم المرء بما لا يعلم، المهم لا عليك سوى قضاء ما فاتك من الصلاة بعد استثناء أيام النفاس حسب ما ذكرناه سابقاً وكذلك قضاء الصيام إن صادف النفاس في شهر رمضان في تلك الفترة - راجعي كتاب الصيام -
- ضحى: الحمد لله إنني اطلعت على الحكم قبل ابتلائي به.
- أم ضحى: أتذكر إنني في نفاسي السابق رأيت الدم بعد الولادة متقطعا فرأيت الدم يومين بعد الولادة و انقطع يومين (حتى في الباطن) ثم عاد يومين وانقطع يوماً ثم عاد يومين وانقطع تماماً فما حكمه؟
-أما الدم فكله نفاس لأنه (9) أيام ولم يتجاوز العشرة وأما الانقطاع (النقاء المتخلل بين الدماء) فالأحوط وجوباً فيه الجمع بين تروك النفساء وأعمال الطاهرة.
- أم ضحى : وما هي تروك النفساء؟
- هي الأمور التي لا يجوز للنفساء أن تعملها على الأحوط وتسمى (أحكام النفساء)، وهي تشترك في أغلبها مع الحائض، وهي:
1- لا يجوز لها مس كتابة آيات القرآن الكريم، ولا لفظ الجلالة (الله) ولا سائر أسمائه وصفاته على الأحوط وجوبا.
2- لا يجوز لها على الأحوط لزوما دخول المساجد بغير اجتياز أو البقاء فيها أو وضع شيء فيها ويجوز اجتياز المساجد غير المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف, والاجتياز يعني الدخول من باب والخروج من باب آخر.
3- لا يجوز لها على الأحوط لزوما قراءة الآيات التي تجب فيها السجدة .
4- لا يجوز لها الجماع، فيحرم وطؤها.
- أم ضحى باهتمام: وكيف تجمع المرأة بين تروك النفساء وأعمال الطاهرة؟
- وذلك بأن تغتسل بعد انقطاع الدم الأول غسل النفاس وتأتي بالعبادة في أيام النقاء فتصلي وتصوم وتقضيه بعد ذلك، ولكن لا يجوز لها مس لفظ الجلالة (الله) وكتابة القرآن الكريم ودخول المساجد والمكث فيها وقراءة آيات السجدة ولا يجوز لها الجماع، وإذا نزل عليها الدم مرة أخرى تترك العبادة لأنه دم نفاس وبعد انقطاعه تغتسل لتؤدي العبادة وتترك ما تتركه النفساء، وبعد انقطاع الدم تماماً تغتسل غسل النفاس فتعيد هذه الصلاة والصيام أيضاً.
- وأود التنبيه لأمر مهم وهو كما لا يصح طلاق الحائض كذلك لا يصح طلاق النفساء .
وفي الأثناء دخلت امرأة حامل وسلمت فرددت عليها السلام وقالت عندي سؤال قد حيرني .
- فقلت لها تفضلي بالسؤال.
- فقالت أنا في الشهر الأول من الحمل ولكن ينزل علي الدم كأنه الدورة الشهرية وأنا الآن قلقة فما حكمه؟
- فقلت لها اطمئني فيمكن اجتماع الحيض مع الحمل ولكن هل عندك وقت ثابت في الحيض؟
- قالت: نعم.
- فقلت لها منذ كم يوم نزل عليك الدم السابق ؟
- فقالت بعد التأمل منذ عشرين يوماً .
- فقلت: إذا كانت الحامل ذات عادة وقتية ورأت الدم بعد عشرين يوماً من أول عادتها وكان الدم بصفات الحيض ففي هذا الفرض فقط الأحوط وجوباً لها أن تجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة.
- فقالت وكيف ذلك ؟
- قلت: لا يجوز لها الدخول في المساجد ولا مس لفظ الجلالة ولا مس كتابة الآيات القرآنية ولا قراءة آيات السجدة الواجبة ولا الجماع، ويجب عليها أن تعمل عمل المستحاضة فهل تعرفي حكم المستحاضة .
- قالت نعم شكراً جزيلاً لك وخرجت.
كانت ضحى ووالدتها تنصتان باهتمام فبادرت أم ضحى وقالت باستغراب: وهل يمكن للحامل أن تحيض؟
- فقلت: نعم لا مانع من ذلك إذا كان الدم بصفات وشروط الحيض التي ذكرناها عند الكلام على الحيض.
- فقالت ضحى: هل يمكن توضيح سؤال المرأة بمثال؟
- مثلاً: إذا كان وقتها أول الشهر فرأته (5) أيام وطهرت (15) يوماً ثم رأت الدم الأحمر واستمر(3) أيام فتحتاط في الأيام الثلاثة بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة .
- أم ضحى: وهل كل دم يخرج أثناء الحمل حيض دائماً؟
- قلت: لا ليس دائماً هو حيض ولكن إذا استمر ثلاثة أيام ولو في الداخل بعد خروجه ولو قطرة ولم يتجاوز العشرة فهو حيض، وإلا فهو استحاضة .
- ضحى: وما الذي يجب على المرأة القيام به من أمور عبادية كالصلاة والصيام إذا نزل عليها الدم أثناء الحمل؟
- قلت: تجب العبادة (كالصلاة والصوم مع التمكن منه) إذا كان استحاضة على اختلاف في الحكم من حيث الغسل والوضوء بين القليلة والكثيرة والمتوسطة كما ذكرنا ذلك سابقاً، ولا تجب الصلاة إذا كان حيضاً ويجب عليها قضاء الصوم.
وفي الأثناء سمعنا صوت المؤذن معلناً أذان المغرب فالتفتت ضحى لأمها وقالت لها لقد أخذَنا الوقت وأدركَنا الليل فلنذهب ونأتي في الغد إن شاء الله.
فقالت: أم ضحى لقد اتعبناك معنا كثيراً نستودعك الله وسنأتي في الغد صباحاً إن شاء الله.
فقلت: أهلاً وسهلاً بكما في أي وقت شئتما.
ومع بزوغ شمس ذهبية مشرقة على القبة العلوية لنبعث مع نسماتها الدافئة سلاماً إلى الدوحة المحمدية نعاود من جديد لثم أعتاب الأبواب العلوية ونلتمس منه لمسة حنان أبوية وبعد سماع تلاوة قرآنية وقراءة الزيارة العلوية افتتحنا شعبة التعليم النسوية لاستقبال الزائرات والإجابة عن المسائل الشرعية وفي تلك اللحظات دخلت علينا إحدى الزائرات وإذا بها من الأخوات المستبصرات فأجريت معها حواراً دونتُ من خلاله جملة من المعلومات وأعطيتها بعض الهدايا والبركات من ضريح الإمام (عليه السلام)، وفي الأثناء دخلت ضحى مع أمها فسلمتْ ورددتُ عليها التحيات.
- فقالت لدي بعض التساؤلات.
- فقلت لها على الرحب والسعة تفضلي بالسؤال.
- فقالت: في حال الطلق (المخاض) وقبل الولادة ينزل علي الدم فما حكمه؟
- فقلت: إذا علمتِ أنه من المخاض (الطلق) فهو بحكم دم الجروح فيجب عليك تطهير الموضع والإتيان بالعبادة، وإن لم تعلمي باستناده إلى حالة المخاض فإن كان الدم بصفة الحيض فهو حيض (مع اجتماع شرائطه) وإن كان بصفة الاستحاضة فهو استحاضة.
- أم ضحى: أحياناً أرى الدم قبل الولادة والمخاض أي (الطلق) بأيام فما حكمه؟
- قلت: إن كان بصفات الحيض (مع اجتماع شرائطه) فهو حيض وإن كان بصفة الاستحاضة فهو استحاضة.
- أم ضحى: إذا أسقطت المرأة جنينها فهل يعد الدم الخارج منها نفاس دائماً؟
- فقلت: إذا كان الجنين في أول تكونه علقة أو مضغة فليس نفاساً ويكون نفاساً فيما بعد العلقة أو المضغة.
- أم ضحى: جارتي كانت حاملاً ومات الجنين في بطنها وأجريت لها عملية الإجهاض (الكورتاج) فهل تعتبر نفساء؟
- فقلت: إذا كان (الكورتاج ) لإخراج الجنين وكان خلقه مكتملاً فهي نفساء وإلا فلا.
- أم ضحى : وهل يجوز إسقاط الجنين؟
- قلت: لا يجوز إلا إذا خافت الأم الضرر على نفسها، أو كان الحمل موجبا لوقوعها في حرج شديد لا يتحمل عادة، فيجوز الإسقاط قبل ولوج الروح ولا يجوز بعد ولوجها حتى إذا خافت الضرر أو الحرج على الأحوط لزوما.
- أم ضحى: إذا كان الأمر كذلك فما حكم من أسقطت الجنين عمداً؟
- لا شيء عليها مع خوف الضرر على نفسها أو كان الحمل موجبا لوقوعها في حرج شديد لا يتحمل عادة إذا كان من بقاء الجنين قبل ولوج الروح، ومع عدم الضرر والحرج أو إذا كان الإسقاط بعد ولوج الروح ولو مع الضرر فهي آثمة فتجب عليها التوبة والاستغفار، وتجب الدية وكفارة القتل المتعمد على المباشر للإسقاط أي (الذي أسقط الجنين).
- ضحى: ذكرتِ وجوب الدية على من باشر الإسقاط فما المقصود بذلك ؟
- هو الذي أسقط الجنين بفعله مثلاً إذا تعمدت الحامل رفع شيء ثقيل من أجل إسقاط الجنين، وسقط بسبب ذلك تجب عليها الدية وكفارة القتل المتعمد، أو إذا ضرب الزوج زوجته بحيث أدى ذلك إلى إسقاط الجنين تجب عليه الدية والكفارة، أو إذا ذهبت الحامل إلى الدكتورة أو الممرضة و طلبت إسقاط الجنين فباشرت الدكتورة الإسقاط فتتحمل الكفارة والدية وكلاهما آثمتين .
قال تعالى : Pمَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً O([3]).
- أم ضحى: وما مقدار الدية ؟
قلت: يختلف مقدار الدية حسب عمر الجنين فإن كان نطفة فالواجب في ديته (105) مثقالاً من الفضة، و(210) مثاقيل إن كان علقة و(315)مثقالاً إن كان مضغة و(420)مثقالاً إن نبت له العظام و (525)مثقالاً إن كان تام الأعضاء والجوارح ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، وبعد ولوج الروح تكون ديته (5250) مثقالاً من الفضة إن كان ذكراً ونصف ذلك إن كان أنثى.
- ضحى: ولمن تعطى الدية؟
-إن أسقطته الأم وجب عليها دفع الدية لأبيه أو لغيره من ورثته وإن أسقطه الأب فعليه ديته لأمه وإن أسقطه غيرهما ـ كالطبيبة ـ لزمه دفع الدية لهما وإن كان الإسقاط بطلبهما.
- أم ضحى: ذكرتِ أنه تجب الدية والكفارة فما هي كفارة الإسقاط المتعمد؟
- هي نفس كفارة القتل المتعمد وهي صوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد من الطعام (ثلاثة أرباع الكيلو). وتثبت على المباشر للإسقاط كما ذكرنا سابقاً.
انتهى الكلام عن النفاس والحمد لله.
ولكن قبل إنهاء هذه الحوارية أود التنبيه على أمر مهم وهو: أني ذكرت فيما سبق لعلي ذكرت فيما سبق كلمة (الأحوط وجوباً) ولم أبينها لكما.
فهذه الكلمة يستعملها الفقهاء عادة لتخيير المكلف بين أمرين فإما أن يعمل وفق الاحتياط المذكور أو أن يرجع إلى فقيه آخر مع مراعاة الأعلم فالأعلم.
- أتمنى أن تكون هذه الحواريات مفيدة ونافعة لكما.
- أم ضحى: جزاك الله خيراً فلقد تعلمنا أحكامنا الابتلائية بأسلوب ميسر
- ضحى: يسر الله لك أمورك وسوف نشتاق إليك كثيراً.
- وأنا كذلك سأشتاق إليكما كثيراً.