حرمة الغناء والموسيقى وآثارهما على الفرد والمجتمع

حرمة الغناء والموسيقى وآثارهما على الفرد والمجتمع

الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين.

وبعد: قد تتسالم الشعوب على أمر أو فكرة وهي من الأمور الخاطئة فتنتشر حتى تصبح مألوفة لدرجة أن من يعترض عليها، بل حتى من لا يميل إليها يعتبر شاذاً لا قيمة له، ومن تلك الأمور الخاطئة: الإدمان على الغناء، فهو يعتبر من الآفات الخطيرة التي ابتليت بها مجتمعاتنا الإسلامية، فأصبح شبابنا اليوم -ومع الأسف الشديد- شغلهم الشاغل هو الغناء والموسيقى، فتراه يقضي ساعات طوالاً في سماع الغناء في البيت وفي الطريق وفي عمله...، فلذا ينبغي التنبيه على هذا الأمر الخطير والوباء المنتشر، فمن أراد الوقاية فعليه أن يعرف أولاً أسباب الداء وآثاره الخطيرة على الفرد والمجتمع حتى يقي نفسه منه، ومَن أراد الشفاء والخلاص من هذا الذنب الكبير فعليه أن يعرف الدواء، ونحن بدورنا نبين أسباب هذا الوباء وآثاره وعلاجه، فـ(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (ق:37).

ما هو الغناء:

الغِناء -بالكسر والمد- لغةً، هو: الصوت المُطرِب، سواء أكان مصحوبا بآلات الموسيقى أم غير مصحوب، قال ابن الأثير: وكل مَنْ رفع صوته ووالاه، فصوته عند العرب غناء، والموالاة في الصوت: ترجيعه، وهو تقارب ضروب حركات الصوت والنفس، فيلزم بذلك الإطراب والتطريب، وأما الطرب فهو: خفة تصيب الإنسان لشدة حزن أو سرور. 

وأما عند الفقهاء، فالغناء هو الكلام اللهوي - شِعرا كان أم نثرا- الذي يُؤتى به بالألحان المتعارفة عند أهل اللهو واللعب، وفي مقومية الترجيع والمد له إشكال، والعبرة بالصدق العرفي، ولا يجوز أن يقرأ بهذه الألحان القرآن المجيد والأدعية والأذكار ونحوها بل ولا ما سواها من الكلام غير اللهوي على الأحوط وجوبا. (منهاج الصالحين للسيد السيستاني: ج2، ص10، م20).

ويفهم من هذا التعريف: أن المقوم للغناء أمران، هما:

المادة: وهي نفس الكلام المتغنى به، فلابد أن يكون لهويا، أي: الكلام الباطل الذي ليس فيه منفعة دنيوية أو أخروية، بل قد يكون من الكلام الفاحش أو المثير للشهوة أو غير ذلك.

الألحان: فلابد أن تكون من نوع ما يتعارف عند أهل اللهو واللعب.

فعند اجتماع هذين الأمرين يكون هو القدر المتيقن من الغناء الذي وردت الروايات في حرمته وذمه ... إلخ.

وهناك فرد آخر مشكوك دخوله في الغناء المحرم، وهو ما كان فيه المقوم الثاني فقط، وهو ألحان أهل اللهو واللعب، أما المادة فقد تكون قرآنا أو دعاء أو ذكرا أو غير ذلك من الأمور الراجحة، وهذا الفرد مما اختلفت فيه أقوال الفقهاء، فقد ذهب جمع منهم السيد الخوئيR إلى حرمته أيضا، وكذا غيره، وأما السيد السيستاني (دام ظله) فقد احتاط وجوبا، فإما أن يعتبر حراما أو يرجع إلى غيره في حكمه، الأعلم فالأعلم.

آثار الغناء على المجتمعات:‏

لو نظرنا إلى المجتمعات البائدة لرأينا أنَّ أحد أسباب انهيارها: الغناء وأخواه (الموسيقى والرقص)، يقول الله عز وجل: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) (الإسراء:16)، فإن الغناء والموسيقى من أوضح مصاديق الفسق المشار إليه في الآية الكريمة، فعندما يتعلَّق النَّاس بالغناء، خاصةً الفئة الشابة منهم، فهذا يعني انصرافهم عن شؤون الأمّة، وعن الدين، والقيم الأخلاقية، والمستقبل، والبناء، والجديَّة، والتضحية، والفداء، والشجاعة، والعلم...، والدليل الحاسم على ذلك كله، ما نعيشه اليوم في مجتمعاتنا، بعد انتشار الفضائيات وقبلها الإذاعات، والتي تستأثر الفترة الأطول لبثِّها بالأغاني التي تُؤدِّي إلى الميوعة والانحلال والمجون والفسوق، وإنْ حاول البعضُ في السنوات الأخيرة تسمية ذلك (فناً) أو (إبداعاً)!!!‏.

آثار الغناء على الأفراد:‏

الغناء يُفقد الإنسان توازنه، حتى يصرفه عن الطاعة، والعبادة، وطلب العلم، حتى الواجب منه، فيبتعد قلبه عن الله،‏ لأنَّ المرء إذا تعلَّق قلبه بالغناء صار شغله الشاغل ومعبوده الأوحد الذي لا يعبد سواه...‏، ألا ترى كيف أنَّ بعض مَنْ استحوذ الغناء عليهم فأنساهم ذكر اللَّه تعالى، يستمعون إليه في المنزل، والحمام، والسيارة، والمقهى، والسهرة، والعرس والحفلات العامة، وعند لقاء الحبيب يقول الله تعالى: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المجادلة:19)، لذا فإنَّ البعض، - نعوذ باللَّه تعالى - قال عن المطرب الفلاني: معبود الجماهير!!!‏. فكيف يُمكن لهذا أن يعبد الله حقاً، تعبُّداً ورقاً؟‏

وقد ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (الغناء يُنْبت النِّفاق في القلب كما يُنبت الماءُ البقل) (عوالي اللئالي: ج1، ص244)، وعن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: (الغناء مما وعد الله عزَّ وجلّ عليه النار، وتلا هذه الآية: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)) (الكافي: ج6، ص431)، فإنَّ أكثر ما يُسبّب فقد الإنسان العزم والإرادة هو الاستماع للغناء.‏

والحاصل: الغناء يُؤثِّر على الإيمان تأثيراً مباشراً، نعوذ بالله تعالى، فكيف يُحافظ على إيمانه مَنْ حرص على إحياء سُنن الجاهلية، وخالف السُّنَّة النبويَّة الشريفة؟!.‏

الموسيقى من كبائر الذنوب:

من الذنوب الكبيرة التي ورد التصريح بأنّها من الكبائر هو اللهو بالآلات الموسيقية بمختلف أنواعها مثل (الناي) و(الكمنجة) و(البيانو) و(الطنبور) ونظائرها، وهكذا الاستماع إليها، كما جاء في رواية مفصلة عن الإمام الرضا(عليه السلام) يذكر فيها تعداد الكبائر إلى أن يقول: (... والاشتغال بالملاهي) (الوسائل: ج15، ص329).

وباتفاق جميع الفقهاء يعتبر صنع وشراء وبيع آلات اللهو والتعامل بها باطلاً، كما هو في آلات القمار، وحفظها حرام أيضاً وإتلافها واجب، كما روي ضمن حديث مفصل عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: (إنما حَرَّم الله الصناعة التي هي حرام كلها التي يجيء منها الفساد محضا، نظير البرابط والمزامير والشطرنج وكل ملهو به، والصِلبان والأصنام وما أشبه ذلك... إلى أن قال(عليه السلام): فحرام تعليمه وتعلمه والعمل به وأخذ الأجرة عليه، وجميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات) (الوسائل: ج17، ص85).

الموسيقى والغناء في أخبار أهل البيت (عليهم السلام):

الأخبار الواردة في حرمة الغناء واستعمال آلات اللهو كثيرة، منها: ما ورد عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) أنه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (أنهاكم عن الزَفَن (أي: الرقص)، والمزمار، وعن الكوبات (أي: الطبل) والكبرات (أي: الطبل ذو الرأسين) (الوسائل: ج17، ص313)، وعنه(عليه السلام): (في قوله عز وجل:(لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)، قال: الغناء) (الوسائل: ج17، ص304)، وعن عبد الأعلى قال: (سألت جعفر بن محمد(عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور)، قال: الرجس من الأوثان: الشطرنج، وقول الزور: الغناء. قلت: قول الله عز وجل: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ)، قال: منه الغناء) (الوسائل: ج17، ص309)، وعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): (أن رجلا سأله عن سماع الغناء، فنهى عنه، وتلا قول الله عز وجل:(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) وقال: يُسأل السمع عما سمع، والفؤاد عما عقد، والبصر عما أبصر) (المستدرك: ج13، ص221).

الآثار المترتبة عليهما:

وهناك آثار سلبية للغناء والموسيقى نذكر منها:

أولاً: إعراض الله سبحانه وتعالى: عن الحسن بن هارون قال: (سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله، وهو مما قال الله عز جل:(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله)) (الوسائل: ج17، ص307)، وقد رُوِيَ عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال لرجل دخل في مكان فيه غناء: (ويحك، أما خفت أمر الله أن يأتيك وأنت على تلك الحال، إنه مجلس لا ينظر الله إلى أهله، الغناء أخبث ما خلق الله، الغناء شر ما خلق الله، الغناء يورث النفاق، الغناء يورث الفقر) (المستدرك: ج13، ص212).

ثانياً: الخروج عن تقديس الله سبحانه وتعالى: عن علي بن الحسين(عليه السلام) أنه قال: (لا يُقدِّس الله أمة فيها بربط يقعقع، وناية تفجع) (الوسائل: ج17، ص313).

ثالثاً: نزول البلاء: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (يظهر في أمتي الخسف والقذف، قالوا: متى ذلك؟ قال: إذا ظهرت المعازف والقينات وشُرِبت الخمور، والله ليبيتن أناس من أمتي على أشَرٍ وبَطَرٍ ولعب فيصبحون قردة وخنازير لاستحلالهم الحرام، واتخاذهم القينات (أي: المغنيات)، وشربهم الخمور، وأكلهم الربا، ولبسهم الحرير) (الوسائل: ج17، ص311).

رابعاً: كُفران النعمة: عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: (من أنعم الله عليه بنعمة فجاء عند تلك النعمة بمزمار فقد كفرها...) (الوسائل: ج17، ص327).

خامساً: عدم إجابة الدعاء ورفع البركة: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (لا تدخل الملائكة بيتا فيه خمر أو دف أو طنبور أو نرد، ولا يستجاب دعاؤهم، ويرفع الله عنهم البركة) (المستدرك: ج5، ص279)، وعن الإمام الصادق(عليه السلام): (بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، ولا تجاب فيه الدعوة، ولا يدخله المَلَك) (الوسائل: ج17، ص303).

سادساً: الفقر والنفاق: وعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قال: (استماع اللهو والغناء ينبت النفاق كما ينبت الماء الزرع) (الوسائل: ج17، ص316)، وعنه(عليه السلام): (الغناء يورث النفاق، ويعقب الفقر) (الوسائل: ج17، ص309).

سابعاً: قساوة القلب: عن الإمام الصادق(عليه السلام) - في وصية النبي(صلى الله عليه وآله) لعلي(عليه السلام)- قال: (يا علي ثلاثة يُقسِين القلب: استماع اللهو، وطلب الصيد، وإتيان باب السلطان) (الوسائل: ج17، ص314).

ثامناً: عبادة الشيطان: عن الإمام الباقر(عليه السلام): (من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يؤدي عن الله عز وجل فقد عبد الله، وإن كان الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان) (الوسائل: ج17، ص317)، ومن المعلوم أن استماع الغناء يكون عادة من الصنف الثاني، أي: من كلام الشيطان، فهو إذن عبادة له.

تاسعاً: مفتاح الزنا: قال النبي(صلى الله عليه وآله): (الغناء رقية الزنا) (البحار: ج76، ص247)، أي: أن الغناء وسيلة يرتقي بها صاحبها إلى أن يرتكب الزنا - والعياذ بالله -، وعبر عنه بالارتقاء كناية عن صعوبته لولا الواسطة وهي هنا الغناء.

عاشراً: الموت فاجراً فاسقاً: عن الإمام الرضا(عليه السلام) أنه قال: (من أبقى في بيته طنبوراً أو عوداً أو شيئاً من الملاهي من المعزفة والشطرنج وأشباهه أربعين يوماً فقد باء بغضب من الله، فإن مات في أربعين مات فاجراً فاسقاً مأواه النار وبئس المصير) (البحار: ج76، ص253).

الحادي عشر: يحشر مسودّ الوجه: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (يحشر صاحب الطنبور يوم القيامة وهو أسود الوجه، وبيده طنبور من نار، وفوق رأسه سبعون ألف ملك، بيد كل ملك مقمعة يضربون رأسه ووجهه، ويحشر صاحب الغناء من قبره أعمى وأخرس وأبكم، ويحشر الزاني مثل ذلك، وصاحب المزمار مثل ذلك، وصاحب الدف مثل ذلك) (المستدرك: ج13، ص219).

الثاني عشر: يذاب في أذنه الرصاص: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (من استمع إلى اللهو يذاب في أذنه الآنك (وهو الرصاص) (المستدرك: ج13، ص221).

وجوب النهي عن المنكر ومنه الغناء:

عن الإمام الحسن العسكري عن آبائه(عليهم السلام)، عن النبي(صلى الله عليه وآله) -في حديث- قال: (من رأى منكم منكرا فلينكر بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه فحسبه أن يعلم الله من قلبه أنه لذلك كاره) (الوسائل: ج16، ص134)، وعن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) -في حديث- قال: (أوحى الله إلى شعيب النبي(عليه السلام): إني معذب من قومك مائة ألف: أربعين ألفا من شرارهم، وستين ألفا من خيارهم، فقال(عليه السلام):  يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل إليه: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي) (الكافي: ج5، ص56)، وقال الإمام الصادق(عليه السلام): (إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر خَلقان من خَلق الله، فمن نصرهما نصره الله ومن خذلهما خذله الله) (الوسائل: ج16، ص146).

ومن جميع ما ذكر يعلم أن هذا الذنب من كبائر الذنوب والتي توجب غضب الله سبحانه وتعالى ونزول بلائه في الدنيا واستحقاق أليم عذابه في الآخرة، كما أن مفاسده الدنيوية كثيرة، وتترتب عليه أضرار كثيرة،.

فلا بد من النهي عنها بحسب المستطاع مع مراعاة مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لنكون من الممتثلين لأحكام الله والطالبين مرضاته، عصمنا الله وإياكم عن مقارفة الذنوب وممارسة المعاصي، وألهمنا التقوى والعمل بما يحب ويرضى وحشرنا مع محمد وآله الطاهرين(عليهم السلام).

 

لتحميل الملف