الغضب حالة نفسية، تبعث على هياج الإنسان، وثورته قولاً أو عملاً، وهو مفتاح الشرور، ورأس الآثام، وداعية الأزمات والأخطار، والغضب استجابة لانفعال يتميز بالميل إلى الاعتداء.
فالغضب من المهلكات العظيمة، التي تؤدي بالإنسان إلى فعل ما يندم عليه من الاعتداء بالضرب أو الشتم بل ربما أدى إلى الشقاوة الأبدية بارتكاب القتل، ولذا قيل: (إنه جنون دفعي)، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (الحدة ضرب من الجنون، لأن صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونه مستحكم) (نهج البلاغة: ج4، ص56).
الغضب في الروايات:
1- من وصية لرسول الله(صلى الله عليه وآله) لرجل، حين قال له: أوصني، فقال(صلى الله عليه وآله): (لا تغضب، ثم أعاد عليه، فقال: لا تغضب، ثم قال: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) (نهج البلاغة:ج4، ص56).
2- قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (الغضب جمرة من الشيطان) (البحار: ج74، ص151).
3- وعنه(صلى الله عليه وآله): (ثلاث خصال مَن كُنَّ فيه فقد حاز خصال الخير: من إذا قدر لم يتناول ما ليس هو له، وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل) (المستدرك: ج11، ص189 ).
4- سُئِل أميرُ المؤمنين (عليه السلام) مَن أَحلمُ الناس؟ قال: (الذي لا يغضب) (الأمالي: ص237).
5- وعنه(عليه السلام): (من أطلق غضبه تعجل حتفه) (ميزان الحكمة: ج3، ص2264).
6- وعنه(عليه السلام): (بئس القرين الغضب: يبدي المعائب، ويدني الشر، ويباعد الخير) (ميزان الحكمة: ج3، ص2264).
7- وعنه(عليه السلام): (الغضب نار موقدة، مَنْ كظمه أطفأها، ومَنْ أطلقه كان أول محترق بها) (ميزان الحكمة: ج3، ص2265).
8- وعنه (عليه السلام) - من كتاب له إلى الحارث الهمداني-: (واحذر الغضب فإنه جند عظيم من جنود إبليس) (ميزان الحكمة: ج3، ص2265).
9- وعنه(عليه السلام): (مَنْ غلب عليه غضبه وشهوته فهو في حيز البهائم) (ميزان الحكمة: ج3، ص2266).
10- عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (الغضب مفتاح كل شر) (الكافي: ج2، ص303).
11- وعنه(عليه السلام) قال: (مَنْ لم يغتب فله الجنة، ومَنْ لم يغضب فله الجنة، ومَنْ لم يحسد فله الجنة) (جامع الأخبار: ص186).
12- وعنه(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (الغضب يُفسد الإيمان كما يُفسد الخل العسل) (الكافي: ج2، ص302).
آثار الغضب:
للغضب آثار سلبية على ظاهر الإنسان وباطنه، فمن آثار الغضب في الظاهر تغير اللون وشدة الرعدة في الأطراف وخروج الأفعال عن الترتيب والنظام، واضطراب الحركة والكلام.
وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش، وقبيح الكلام الذي يستحيي منه ذوو العقول، ويستحيي منه قائله عند فتور الغضب، في حين يكون هذا الكلام مسجلاً من قبل الملك الموكل به فيكتب عليه سيئات يجازى عنها يوم القيامة.
وأما أثره في القلب مع المغضوب عليه، فالحقد والحسد، وإظهار السوء والشماتة بالمساءة، والحزن بالسرور، والعزم على إفشاء السر وهتك الأستار والاستهزاء، وغير ذلك من القبائح، فهذه ثمرة الغضب المفرط وقد أشير إلى بعضها في الأخبار. أضرار الغضب:
للغضب أضرار جسيمة، وغوائل فادحة، تضرّ بالإنسان فرداً ومجتمعاً، جسمياً ونفسياً، مادياً وأدبياً، فكم غضبة جرحت العواطف، وشحنت النفوس بالأضغان، وفصمت عرى التحابب والتآلف بين الناس، وكم غضبة زجّت أناساً في السجون، وعرضتهم للمهالك، وكم غضبة أثارت الحروب، وسفكت الدماء، فراح ضحيتها الآلاف من الأبرياء.
كل ذلك سوى ما ينجم عنه من المآسي والأزمات النفسية، التي قد تؤدي إلى موت الفجأة، أو التي تخلف أمراضاً مزمنة يضل يعاني الإنسان منها طوال عمره.
أسباب الغضب:
لا يحدث الغضب عفواً واعتباطاً، وإنما ينشأ عن أسباب وبواعث تجعل الإنسان مرهف الإحساس، سريع التأثر، ولو تأملنا تلك البواعث، وجدناها مجملة على الوجه التالي:
1- قد يكون منشأ الغضب انحرافاً صحياً، كاعتلال الصحة العامة، أو ضعف الجهاز العصبي، مما يسبب سرعة التهيج.
2- وقد يكون المنشأ نفسياً، منبعثاً عن الإجهاد العقلي، أو المغالاة في الأنانية، أو الشعور بالإهانة، والاستنقاص، ونحوها من الحالات النفسية، التي سرعان ما تستفز الإنسان، وتستثير غضبه، كما في الخبر: (... قالوا: وما بدؤ الغضب؟ قال: الكبر والتجبر ومحقرة الناس) (الخصال: ص6).
3- وقد يكون المنشأ أخلاقياً، كتعود الشراسة، وسرعة التهيج، مما يوجب رسوخ عادة الغضب في صاحبه.
هل يمكن إزالة الغضب؟ وما هي طرق علاجه؟
اختلف علماء الأخلاق في إمكان إزالة الغضب بالكلية وعدمه، فقيل: قمع أصل الغضب من القلب غير ممكن، لأنه مقتضى الطبع، إنما الممكن تضعيفه، حتى لا يشتد هيجانه، وفي مقابله قيل: الغضب المذموم ممكن الزوال، ولولا إمكانه لزم وجوده للأنبياء والأوصياء، ولا ريب في بطلانه وهو الأرجح.
وعلى كل حال فعلاج الغضب يتوقف على أمور، وربما حصل ببعضها:
1- إزالة الأسباب المهيجة له، إذ علاج كل علة بحسم مادتها، وهي العجب، والفخر، والكبر، والغدر، واللجاج، والمراء، والمزاح، والاستهزاء، والتعيير، والمخاصمة، وشدة الحرص على فضول الجاه والأموال الفانية، وهي بأجمعها أخلاق رديئة مهلكة، ولا خلاص من الغضب مع بقائها، فلا بد من إزالتها حتى تسهل إزالة الغضب.
2- أن يتذكر قبح الغضب وسوء عاقبته، وما ورد في الشريعة من الذم عليه، كما تقدم.
3- أن يتذكر ما ورد من المدح والثواب على دفع الغضب في موارده، ويتأمل فيما ورد من فوائد عدم الغضب، كما ورد في جملة من الروايات، ففي الحديث النبوي: (إذا جُمع الخلائق يوم القيامة نادى مناد أين أهل الفضل؟ فيقوم أناس وهم يسير فينطلقون سراعاً إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: إنّا نراكم سراعاً إلى الجنة، فيقولون: نحن أهل الفضل، فيقولون: ما كان فضلكم؟ فيقولون: كنا إذا ظُلِمنا صبرنا، وإذا أسيئ إلينا عفونا، وإذا جُهِل علينا حلمنا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين) (ميزان الحكمة: ج3، ص2434)، وعن زيد بن علي(عليه السلام) قال: (أوحى الله عز وجل إلى نبيه داود(عليه السلام): (إذا ذكرني عبدي حين يغضب ذكرته يوم القيامة في جميع خلقي ولا أمحقه فيمن أمحق) (البحار: ج70، ص266)، إلى غير ذلك من الأخبار وسيأتي جملة من ذلك.
4- أن يتذكر فوائد ضد الغضب، أعني: الحلم وكظم الغيظ، وما ورد من المدح عليهما في الأخبار، ويواظب على مباشرته ولو بالتكلف، فيتحلّم وإن كان في الباطن غضباناً، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (إن لم تكن حليماً فتحّلم، فإنّه قَلّ مَنْ تشبه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم) (نهج البلاغة: ج4، ص47)، وإذا فعل ذلك مدة صار عادة مألوفة هنيئة على النفس، فتنقطع عنها أصول الغضب، وستأتي بعض الروايات في ذلك.
5- أن يحترز عن مصاحبة أرباب الغضب، والذين يتبجحون بتشفي الغيظ وطاعة الغضب، ويُسمُّون ذلك شجاعة ورجولة، فيقولون: نحن لا نصبر على كذا وكذا، ولا نحتمل من أحد أمراً، ويختار مجالسة أهل الحلم، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس.
6- أن يعلم أن ما يقع إنما هو بقضاء الله وقدره، وأن الأشياء كلَّها مسخرة في قبضة قدرته، وأن كل ما في الوجود من الله، وأن الأمر كله لله، وأن الله لا يُقدِّر له إلا ما فيه الخير، وربما كان صلاحه في جوعه أو مرضه، أو فقره، أو جرحه أو قتله، أو غير ذلك، فإذا علم بذلك غلب عليه التوحيد، ولا يغضب على أحد، ولا يتأذى بما يرد عليه، إذ يرى -حينئذ- أن كل شيء أسير في قبضة قدرته تعالى، كالقلم في يد الكاتب، ففي الحديث القدسي: (إن من عبادي المؤمنين عبادا لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالغنى والسعة والصحة في البدن فأبلوهم بالغنى والسعة وصحة البدن فيصلح عليهم أمر دينهم، وإن من عبادي المؤمنين لعبادا لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالفاقة والمسكنة والسقم في أبدانهم فأبلوهم بالفاقة والمسكنة والسقم، فيصلح عليهم أمر دينهم وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر دين عبادي المؤمنين...) (الكافي: ج2، ص60)، وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: (عجبت للمؤمن إن الله لا يقضي له بقضاء إلا كان خيرا له، إن أغناه كان خيرا له وإن ابتلاه كان خيرا له، وإن ملكه ما بين المشرق والمغرب كان خيرا له، وإن قرض بالمقارض كان خيرا له، وفي قضاء الله للمؤمن كل خير) (مشكاة الأنوار: ص521).
7- أن يتذكر أن الغضب مرض قلب ونقصان عقل، صادر عن ضعف النفس ونقصانها، لا عن شجاعتها وقوتها، ولذا يكون المجنون أسرع غضباً من العاقل، والمريض أسرع غضباً من الصحيح، والشيخ الهرم أسرع غضباً من الشاب، وصاحب الأخلاق السيئة والرذائل القبيحة أسرع غضباً من صاحب الفضائل، ولذا قال سيد الرسل(صلى الله عليه وآله): (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) (ميزان الحكمة: ج3، ص2266).
8- أن يتذكر أن قدرة الله عليه أقوى وأشد من قدرته على هذا الضعيف الذي يغضب عليه، ولم يأمن إذا أمضى غضبه عليه أن يمضي الله عليه غضبه في الدنيا والآخرة، وقد روي: (أنه ما كان في بني إسرائيل ملك إلا ومعه حكيم، إذا غضب أعطاه صحيفة فيها: ارحم المساكين، واخش الموت، واذكر الآخرة، فكان يقرأها حتى يسكن غضبه). (جامع السعادات: ج1، ص261)، وورد أيضا: (يا ابن آدم! اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب، ولا أمحقك فيمن أمحق) (البحار: ج70، ص350).
9- أن يتذكر أن مَنْ يمضي عليه غضبُه ربما قوي وتشمَّر لمقابلته، وجرَّد عليه لسانه بإظهار معائبه والشماتة بمصائبه، ويؤذيه في نفسه وأهله وماله وعرضه.
10- أن يعلم أن الله يحب منه ألا يغضب، والحبيب يختار ما يحب محبوبه، فإن كان محباً لله فليطفئ غضبه بشدة حبه لله.
11- أن يسكت الغاضب ويتروى، فقد روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)أنه قال: (إذا غضبت فاسكت) (البحار: ج70، ص272)، فإن هذا التروِّي يخفّف حدّة التوتر والتهيج، ويعيده إلى الرشد والصواب، ولا يُنال ذلك إلا بضبط النفس، والسيطرة على الأعصاب.
12- ومن علاج الغضب الاستعادة بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فإنه المهيج للغضب كما ذُكر، والاستعانة به تعالى على كفايته وتتأدى الوظيفة بالبسملة، وكان(صلى الله عليه وآله) إذا غضبت عائشة أخذَ بأنفها، وقال: (يا عويش قولي: اللهم رب النبي محمد، اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مُضلات الفتن) (البحار: ج70، ص272).
13- ومن علاج الغضب: جلوس الغاضب إذا كان قائماً، واضطجاعه إن كان جالساً والنزول إن كان راكباً، فقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله): (أن الغضب جمرة في قلب ابن آدم فَمَن وجد من ذلك شيئاً فليلصق خده بالأرض) (البحار: ج70، ص272).
وكذا الوضوء أو الغسل بالماء البارد كما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله): (إذا غضب أحدكم فليتوضأ وليغتسل، فإن الغضب من النار)، وفي رواية: (إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما يطفئ النارَ الماءُ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) (البحار: ج70، ص272).
وكذلك مس يد الرحم إن كان مغضوباً عليه، فإنه من مهدئات الغضب، فقد روي: (أيُّما رجل غضب على ذي رحم فليَدْنُ منه ولْيَمَسُّه فإن الرحم إذا مُسَّت سكنت) (أخلاق أهل البيت: (عليهم السلام) ص36).
فضيلة كظم الغيظ:
1- قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (مَنْ كفّ غضبه كفّ الله عنه عذابه، ومَنْ اعتذر إلى ربّه قَبِل الله عذره، ومَنْ خزن لسانه ستر الله عورته) (المحجة البيضاء: ج5، ص308).
2- قال الإمام الصادق(عليه السلام): (مَنْ كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه) (الوسائل: ج12، ص177)، وفي رواية أخرى: (حشا الله قلبه أمناً وإيماناً يوم القيامة) (الكافي: ج2، ص110).
3- وقال(صلى الله عليه وآله): (مَنْ كظم غيظاً وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يخيره في أيّ الحور شاء) (المحجة البيضاء: ج5، ص309).
4- وعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): (ما من عبد كظم غيظاً إلا زاده الله تعالى عزّاً في الدّنيا والآخرة وقد قال الله تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وأثابه الله مكان غيظه ذلك) (الكافي: ج5، ص310).