قال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) (الأنعام:151)، إننا لو نظرنا إلى الأمراض الصحية التي يعانيها الإنسان لوجدناها غالباً ما تكون بسبب مخالفة الدساتير الطبية التي وضعها الأطباء وقايةً وعلاجاً للأبدان، وكل مخالفة لقاعدة من قواعد الطب هناك مرض في مقابلها، هذا في الأمراض الصحية أما الذنوب فهي أعظم مغبة وغائلة، فهي تسبب الأمراض البدنية والروحية، وتجلب سخط الله وتزيل رحمته، وتوجب التعاسة للإنسان وتمنع سعادته في الدارين.
الذنوب في لسان الآيات والروايات:
أما في التحذير من المعاصي فقد جاءت آيات وروايات للتهويل منها، فمن ضمن الآيات قوله تعالى: (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(البقرة:81)، فالآية صرحت بأن اكتساب المعاصي سبب لدخول النار والخلود فيها، وقال تعالى: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنْ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (البقرة:59)، وقال جل ذكره: (فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (الأنعام:6)، وقال سبحانه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30).
وأما الأحاديث فهي كالمعتاد تُفصِّل وتُبيِّن حتى الجزئيات الدقيقة لهداية البشر، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار) (الفقيه: ج3، ص359)، فنحن نخاف من الطعام الذي يضرنا ولكن في المقابل هنالك شيء إذا فعلناه لم نتمرض فقط بل ندخل النار، ألا وهي الذنوب فكما لابد أن نحافظ على صحتنا من الأمراض لابد أن نرحم أجسادنا الضعيفة عن النار.
وقال(صلى الله عليه وآله): (احذر سُكر الخطيئة، فإن للخطيئة سكرا كسكر الشراب، بل هي أشد سكرا منه، يقول الله تعالى: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ)) (البحار: ج74، ص102).
وعنه(صلى الله عليه وآله): (إن العبد ليُحبَس على ذنب من ذنوبه مائة عام وإنه لينظر إلى أزواجه في الجنة يتنعمن) (الكافي: ج2، ص272).
وسُئل أمير المؤمنين(عليه السلام): (أي ذنب أعجل عقوبة لصاحبه؟ فقال: من ظلم من لا ناصر له إلا الله، وجاور النعمة بالتقصير، واستطال بالبغي على الفقير) (الكافي: ج2، ص272).
وعن الإمام الرضا(عليه السلام) أنه قال: (كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون) (الكافي: ج2، ص272).
وعن الإمام الكاظم(عليه السلام): (إن لله عز وجل في كل يوم وليلة مناديا ينادي: مهلا مهلا عباد الله عن معاصي الله، فلولا بهائم رُتَّع، وصبية رُضَّع، وشيوخ رُكَّع، لصب عليكم العذاب صبا، ترضون به رضا) (الكافي: ج2، ص276).
الكبائر والصغائر:
قسم الفقهاء الذنوب إلى قسمين:
1 ـ الذنوب الكبيرة.
2 ـ الذنوب الصغيرة.
والكبائر هي: ما توعد بها الله النار على فاعلها، أو ما ورد في نص الكتاب النهي عنه، ويعني بوصفه بالكبيرة: إن العقوبة بالنار عظيمة، أو أن تخصيصه بالذكر في القرآن يدل على عظمه، وقد اختلف الفقهاء اختلافا كبيرا في تعدادها وتشخيصها، كما وردت مجموعة من الروايات التي تحدد الكبائر بعدد مختلف سنتعرض لها، وذكر بعض الفقهاء في حكمة هذا الاختلاف: إن الشرع لم يعينها، وأبهمها ليكون العبد على وجل منها، فيجتنبون جميع الذنوب، كما أبهم ليلة القدر ليعظم جِدُّ الناس في طلبها، وواظبوا في ليال متعددة على العبادات، وكما أبهم الاسم الأعظم ليواظبوا على جميع أسماء الله.
ومنشأ التقسيم إلى الكبائر والصغائر من القرآن الكريم والروايات، فمثلاً نقرأ في القرآن الكريم: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (النساء:31)، وفي آية أخرى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا) (الكهف:49)، وقال تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) (النجم: 32).
واللَّمَم: ما دون الكبائر من الذنوب، وهو صغار الذنوب، قال الأَخفش: اللَّمَمُ المُقارَبُ من الذنوب. (لسان العرب: ج12، ص549).
ومن خلال الآيات الكريمة الروايات الشريفة الواردة عن أهل البيت(عليهم السلام) يتبين أن الذنوب في الإسلام على نوعين: صغيرة وكبيرة، فالذنوب الكبيرة تطلق على ما جعل الله جزاءها النار والجحيم واجباً وحتمياً، فعن أبي عبد الله(عليه السلام): في قول الله عزوجل: ((إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) قال: الكبائر، التي أوجب الله عز وجل عليها النار) (الكافي: ج2، ص276)، وجاء في بعض هذه الروايات أن الذنوب الكبيرة تسعة عشر ذنباً، فعن الإمام الجواد(عليه السلام) قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي موسى بن جعفر(عليه السلام) يقول: دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله(عليه السلام) فلما سلم وجلس تلا هذه الآية:(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ) ثم أمسك، فقال له أبو عبد الله(عليه السلام): ما أسكتك؟ قال: أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله عز وجل، فقال: نعم يا عمرو، أكبر الكبائر الإشراك بالله، يقول الله: (مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)، وبعده الإياس من رَوح الله، لأن الله عز وجل يقول: (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)، ثم الأمن من مكر الله، لأن الله عز وجل يقول: (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)، ومنها عقوق الوالدين، لأن الله سبحانه جعل العاق جباراً شقياً، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، لأن الله عز وجل يقول: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)، وقذف المحصنة، لأن الله عز وجل يقول: (لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، وأكل مال اليتيم، لأن الله عز وجل يقول: (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)، والفرار من الزحف، لأن الله عز وجل يقول: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، وأكل الربا، لأن الله عز وجل يقول:(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ)، والسحر، لأن الله عز وجل يقول: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)، والزنا، لأن الله عز وجل يقول: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً)، واليمين الغَمُوس الفاجرة، لأن الله عز وجل يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ)، والغَلول، لأن الله عز وجل يقول: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)، ومنع الزكاة المفروضة، لأن الله عز وجل يقول: (فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ)، وشهادة الزور وكتمان الشهادة، لأن الله عز وجل يقول: (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)، وشرب الخمر، لأن الله عز وجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان، وترك الصلاة متعمداً أو شيئاً مما فرض الله، لأن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: مَن ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ونقض العهد وقطيعة الرحم، لأن الله عز وجل يقول: (أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)، قال: فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول: هلك مَن قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم) (الكافي: ج2، ص285).
الصغائر قد تكون كبائر:
ما دامت المعصية تُعَدُّ مخالفة لحكم من أحكام الله تعالى، فهي تستوجب الذنب والعقوبة في الدنيا والآخرة، ولا يختلف في ذلك الصغائر والكبائر فكلاهما معصية، ولكن الفرق بينهما في شدة العذاب وقلته، ولكن مع ذلك فهنالك حالات تكون الذنوب كلها عظيمة وتوجب دخول النار، فتتحول الصغيرة إلى كبيرة بأسباب:
أحدها: الإصرار والمواظبة على الذنب، ولذلك قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (أعظم الذنوب عند الله ذنب أَصرَّ عليه عاملُه) (المستدرك: ج11، ص368)، وقال الإمام الصادق(عليه السلام): (لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار) (الكافي: ج2، ص288).
وثانيها: استصغار الذنب، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (أشد الذنوب عند الله سبحانه ذنب استهان به راكبه) (جامع الأحاديث: ج13، ص334)، وعن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: (من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل: يا ليتني لا أُواخَذُ إلا بهذا) (الخصال: ص24).
وثالثها: أن يأتي بالصغائر ولا يبالي بفعلها، اغتراراً بستر الله عليه، وحلمه عنه، وإمهاله إياه، ولا يعلم أنه إنما يمهل مقتاً ليزداد بالإمهال إثماً، فتزهق أنفسهم وهم كافرون، فمن ظن أنَّ تَمَكُنَه من المعاصي عنايةٌ من الله به، فهو جاهل بمكامن الغرور، وآمن من مكر الله الذي لا يأمن مكره إلا الكافرون.
ورابعها: السرور بالصغيرة وعدّ التمكن من ذلك نعمة، والغفلة عن كونها نقمة وسبب الشقاوة، فعن الإمام زين العابدين(عليه السلام) قال: (إياك والابتهاج بالذنب، فإن الابتهاج به أعظم من ركوبه) (البحار: ج75، ص159).
وخامسها: أن يذنب ويظهر ذنبه بأن يذكره بعد إتيانه، أو يأتي به في مشهد غيره، فإن ذلك خيانة منه على الله الذي أسدله عليه، وتحريك الرغبة والشر فيمن أسمعه ذنبه أو أشهده فعله، فهما خيانتان انضمتا إلى خيانته فتغلظت به، فإن انضاف إلى ذلك الترغيب للغير فيه والحمل عليه وتهيئة الأسباب له صارت خيانته رابعة، وتفاحش الأمر، وهذا لأن من صفات الله أنه يظهر الجميل ويستر القبيح ولا يهتك الستر، فالإظهار كفران لهذه النعمة، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة، والمذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بها مغفور له) (الوسائل: ج9، ص456).
وسادسها: أن يكون الآتي بالصغيرة عالماً يقتدي به الناس، فإذا فعلها بحضرة الناس كبر ذنبه، وذلك كلبسه الذهب والحرير، وأخذه مال الشبهة، وإطلاقه اللسان في أعراض الناس، ونحو ذلك، فهذه ذنوب قد يتبعه غيره ويقلده، فيكون شريكاً في الإثم، وحتى بعد موته يبقى شره مستطيراً في العالم، ففي الخبر: (مَن سنَّ سُنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيء) (جامع السعادات: ج3، ص62)، فطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه، قال الله تعالى: (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) (يس:12)، والآثار: ما يلحق الأعمال بعد انقضاء العمل، فعلى المذنب وظيفتان: إحداهما: ترك الذنب، والأخرى: إخفاؤه.
آثار الذنوب:
تكلمنا في المقام السابق عن الذنوب والآن نتكلم عن آثار الذنوب، فكما أن لمخالفة الإرشادات الطبية آثارا وعوارض، كذلك في الركون إلى معاصي الله جل وعلا آثارها أيضاً، والآثار على كيفيات ونقسمها على حسب تتبع ما ورد عن المعصومين(عليهم السلام) فيها إلى أربعة موارد:
أ- أثر الذنوب في العقل، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (من قارف ذنباً فارقه عقل لا يرجع إليه أبداً) (المحجة البيضاء: ج8، ص160).
ب- أثر الذنوب في الحياة الدنيا، فعن الإمام علي(عليه السلام) قال: (توقَّوا الذنوب، فما من بلية ولا نقص رزق إلا بذنب حتى الخدش والكبوة والمصيبة، قال الله عز وجل: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير)) (الخصال: ص616).
ج- أثر الذنوب في الإيمان، قال الأمام الصادق(عليه السلام): (إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب انمحت وإن زاد زادت حتى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً) (الكافي: ج2، ص271).
د -أثر الذنوب في الآخرة، قال الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله): (يا بن مسعود لا تحقرَن ذنباً ولا تصغرنه واجتنب الكبائر، فإن العبد إذا نظر يوم القيامة إلى ذنوبه دمعت عيناه قيحاً ودماً يقول الله تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً)) (المستدرك: ج11، ص350).
وسائل علاج الذنوب:
قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ) (هود:114). وقال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة:222).
كما تجدر المسارعة إلى علاج الجسم من الأمراض قبل استفحالها، وتطهيره من الجراثيم قبل أن يضعف الجسم عن مكافحتها، كذلك تجب المبادرة إلى تصفية النفس وتطهيرها من أضرار الذنوب ودنس الآثام قبل تفاقم غوائلها وعسر تداركها.
وكما تعالج الأمراض البدنية بتجرع العقاقير الكريهة الرائحة والمرة المذاق والاحتماء عن المطاعم الشهية الضارة كذلك تعالج الذنوب بتحمل أعباء التوبة والإقلاع عن الشهوات العارمة والأهواء الجامحة ليأمن التائب أخطارها ومآسيها الدنيوية والأخروية، فالتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى بقلب صادق وبذل كل ما يرفع سخط الرحمن، فالإنسان لا يعلم متى سيلاقي ربه هل في شبابه أم في هرمه هل في صحته أم في سقمه هل حال طاعته أم حال معصيته، فلذا يجب على الإنسان العاقل أن يتوب إلى الله تعالى ولا يمنِّي نفسه بغد وبعد غد، بل يبادر في شبابه قبل هرمه وفي صحته قبل سقمه، وهذا أمر طبيعي للمؤمن الذي يوقن بالآخرة والجزاء، وأن حال الدنيا مَعْبَر لا مستقر، فمن نظر بهذا المنظار فلن يعصيَ الله تعالى طرفة عين أبداً، ولذا ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام): (تفكر ساعة خير من عبادة سنة قال الله: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)) (المستدرك: ج11، ص183).
وأخيرا نسأل الله أن يعصمنا من الزلل والخطأ ويأخذ بأيدينا لما فيه الخير والصلاح إنه سميع مجيب.