بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على خير خلقه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
يولد المسلم وينشأ ويترعرع في بلده الإسلامي فيتشرب - عن وعي ودون وعي- أحكام الإسلام وقيمه وتعاليمه، حتى إذا شبّ، شبّ متأدباً بآداب دينه، سالكاً طرقه، مهتدياً بهديه، ولو قُدِّر لمسلم أن يولد وينشأ ويترعرع في بلاد غير إسلامية لبدا أثر البيئة واضحاً في أفكاره وآرائه وسلوكه وآدابه وقِيَمه، إلاّ من عَصَم رَبُّك، ويبدو أثر البيئة غير الإسلامية أكثر وضوحاً في سلوك وآداب وقيم الجيل الثاني.. جيل الأبناء، ولذلك كان للإسلام موقف من التعرب بعد الهجرة جسّدته الآيات الشريفة، وروايات عدة، فَعدَّته من الكبائر، فلابد لنا أن نعرف معنى الهجرة ومعنى التعرب وما هي المصاديق في الوقت الحالي وما هي فتاوى الفقهاء سواء كانت من القدماء أو المعاصرين.
معنى الهجرة:
المقصود بالهجرة التحوُّل الإيجابي من حياة البداوة والجاهلية والكفر إلى الحياة الملتزمة بتعاليم الشريعة المحمدية وفي حاضرة الإسلام، كما حصل بالنسبة إلى المسلمين الأوائل الذين أسلموا وهاجروا إلى المدينة المنورة، حيث أقام الرسول المصطفى(صلى الله عليه وآله) دولة الإسلام، يقول الله تعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:100)، لذا تعتبر حادثة الهجرة فيصلاً بين مرحلتين من مراحل الدعوة الإسلامية، هما المرحلة المكيّة والمرحلة المدنية، ولقد كان لهذه الحادثة آثار جليلة على المسلمين، ليس فقط في عصر رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولكن آثاره الخيرة قد امتدت لتشمل حياة المسلمين في كل عصر ومصر.
والهجرة لغة تعني: ترك شي إلى آخر، أو الانتقال من حال إلى حال، أو من بلد إلى بلد، يقول تعالى: (والرجزَ فاهجر) (المزمّل:5)، وقال أيضاً: (واهجرهم هجراً جميلاً) (المزمل:10)، وتعني اصطلاحاً: الانتقال من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، وهذه هي الهجرة المادية، أما الهجرة المعنوية فتعني الانتقال بالنفسية الإسلامية من مرحلة إلى مرحلة أخرى بحيث تعتبر المرحلة الثانية أفضل من الأولى، من ناحية الالتزام الديني والخروج عن حالة الجهل بأحكام الدين.
معنى التعرب بعد الهجرة:
التعرب بعد الهجرة: هو أن يعود الإنسان المسلم إلى وضعه السابق من الجهل، واللامبالاة بأحكام الدين، قبل أن يتعلم ما ينبغي أن يتعلمه، كما أن التَعَرُّب هو التَخَلُّقْ بأخلاق الأعراب من سُكَّان البادية، والأعراب جمع (الأعرابي) وهو الجاهل من العَرَب والبدوي الذي لم يتفقه في الدين، البعيد عن المَدَنيَّة والحضارة والعلم والثقافة، فمعنى التَّعّرُّب هو الإقامة والسُكنى مع الأعراب والتأقلم مع جاهليتهم والتخلق بأخلاقهم.
وأطلقه الشارع المقدس على ظاهرة نكوص بعض المسلمين، وابتعادهم عن المجتمع الإسلامي، وإيثارهم سُكنى البادية مع الأعراب والكفار، على السُكنى مع المسلمين في ظل الدولة الإسلامية، بعد هجرتهم إلى دار الإسلام وممارستهم حياة الالتزام الديني، مما يدل على تركهم الالتزام بتعاليم الإسلام، وتخلِّيهم عن الدفاع عن الإسلام، وتقاعسهم عن نصرة مبادئه القيمة.
وفي صدر الإسلام كانت الهجرة واجبة إلى موطن الرسول(صلى الله عليه وآله) من أجل تعلم الأمور الدينية اللازمة، وكان يحرم البقاء في بلاد الكفار إذا كان ذلك مانعاً عن إقامة شعائر الله، كما لو لم يتمكن من إقامة الصلاة أو صيام شهر رمضان في بلاد الكفار.
وترك أصل الهجرة، أو العودة بعد الهجرة إلى الحالة الأولى حرام أيضاً ومن الذنوب الكبيرة، وقد جاء الوعيد على ذلك بالنار كما في بعض الآيات التي سوف تأتي.
وفي معرض بيان معنى عبارة (التعرب بعد الهجرة) التي وردت ضمن المعاصي الكبيرة، أجاب بعض العلماء:
المقصود منها السفر إلى البلاد التي تنقص فيها معارف المسلم الدينية، بسبب بُعده عن مراكز المعرفة والثقافة الدينية، ولقد أجاد في بيان المعنى، فالمراد من لفظة (الأعرابي) هو الجاهل بأحكام الإسلام، خصوصاً وأن الروايات الشريفة الآتية الذكر قد فسرت المراد من الأعرابي، وعليه فليس لخصوص السكنى في البادية أو الإقامة مع الأعراب دخل في تحقق عنوان التعرب ما لم يصيّر الإنسان نفسه أعرابياً.
الآيات الكريمة في التعرب ووجوب الهجرة:
قال الله تعالى: (الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ الله عَلَى رَسُولِهِ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:97)، وقال سبحانه:(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ) (التوبة:100)، وفي سورة الفتح: (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنْ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (الفتح:11)، وقال عز وجل: (قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الفتح:14)، ويستفاد من الآيات المتقدمة في ذم الأعراب، أن التعرب ليس بذاته مذموماً بل مذمته من جهة فقدان الإيمان والجهل بأحكام الله والابتعاد عن مصدر التشريع والعيش في وسطٍ لا يتمكن فيه من ممارسة ما فرضه الله على عباده، لذا نجد الآية التالية تمدح بعض الأعراب الذين وُفِّقوا للإيمان والعمل بالأحكام الدينية، وهم مورد المدح والوعد بالرحمة: (وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ الله وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ الله فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ) (التوبة:99).
بناءاً على ذلك فكل مسلم يمتنع عن تحصيل المعارف الدينية، وتعلم المسائل الشرعية، ويبتعد عن المجتمعات المسلمة التي يتعلم فيها الحقائق والمعارف والمسائل الدينية، فهو في الحقيقية (متعرب) وما جاء في مذمة الأعرابي يشمله حتى لو كان ساكناً في المدن.
يذكر لنا التأريخ أن عدداً من المسلمين الذين يقولون بحسب الظاهر (لا إله إلا الله) مثل قيس بن الفاكه، وقيس بن الوليد وأمثالهم، لم يهاجروا من مكة إلى المدينة مع قدرتهم على ذلك، ولما جاء رؤساء قريش إلى معركة بدر حضروا معهم وقُتِلوا بسيوف المسلمين، فنزل قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:97)، وفي هذه الآية دلالة على وجوب الهجرة من مكان لا يتمكن فيه من إقامة شعائر الإسلام، وقد استفاد الفقهاء وجوب الهجرة منها، ومن آيات أخرى، مثل قوله تعالى: (يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (العنكبوت:56).
الأحاديث الشريفة الواردة النهي عن التعرب ووجوب الهجرة:
روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (من فَرَّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراً من الأرض استوجب الجنة، وكان رفيق إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وآلهما) (بحار الأنوار: ج19، ص31).
وقد روي عن عكرمة أنه كان جمع من المسلمين في مكة لا يقدرون على الهجرة، فلما نزلت آيات الهجرة سمعها رجل من المسلمين، وهو جندع بن ضمرة وكان بمكة، فقال: والله ما أنا مما استثنى الله، إني لأجد قوة وإني لعالم بالطريق، وكان مريضاً شديد المرض، فقال لبنيه: والله لا أبيت بمكة حتى أخرج منها، فإني أخاف أن أموت فيها، فخرجوا يحملونه على سرير حتى إذا بلغ التنعيم ظهرت عليه آثار الموت، فوضع يده اليمنى في اليسرى وقال: (اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه)، ثم مات، ولما وصل خبر وفاته إلى المدينة قال بعض الأصحاب: لو وصل إلى المدينة لنال ثواب الهجرة، فأنزل الله تعالى قوله: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله وَكَانَ الله غَفُوراً رَحِيماً)) (تفسير الميزان: ج5، ص56).
وبعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) كانت الهجرة واجبة إلى الأئمة(عليهم السلام)، من أجل التدين بدين الله، وتعلم أحكامه والتي أهمها معرفة الإمام، ولذا يعد من التعرب عدم الهجرة إلى الإمام من أجل التعرف عليه وتعلم الوظائف الدينية منه، والتعرب بعد الهجرة هو عبارة عن الإعراض عن الإمام بعد معرفته، كما روى الصدوق عن حذيفة بن المنصور عن الإمام الصادق(عليه السلام): (المتعرب بعد الهجرة، التارك لهذا الأمر بعد معرفته) (معاني الأخبار: ص265)، والمراد بـ(هذا الأمر) في الروايات، هو عقيدة الإمامية الإثني عشرية، كما يظهر بالتتبع.
وعنه(عليه السلام) أنه قال: (تفقهوا في الدين، فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي، إن الله عز وجل يقول في كتابه: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)) (الكافي: ج1، ص31).
وعنه(عليه السلام) أنه قال لأصحابه: (عليكم بالتفقه في دين الله ولا تكونوا أعراباً، فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يُزكِّ له عملاً) (الكافي: ج1، ص31).
وتواترت الأحاديث الناهية عن التعرب بعد الهجرة وعَدَّت هذا العمل من الكبائر، فعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) قوله: (الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمدا، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الربا بعد البينة، وكل ما أوجب الله عليه النار) (الكافي: ج2، ص277).
أقوال العلماء في التعرب ووجوب الهجرة:
يقول الشيخ الطوسي(قدس سره) في ذلك: (أما الذي تلزمه الهجرة وتجب عليه، من....لا يتمكن من إظهار دينه بينهم فيلزمه أن يهاجر لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) (التوبة:97)، فدل هذا على وجوب الهجرة على المستضعف الذي لا يقدر على إظهار دينه، ودليله أن من لم يكن مستضعفا لا يلزمه ثم استثنى من لم يقدر فقال: (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَئِكَ عَسَى الله أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ)) (المبسوط: ج2، ص4).
ويقول العلامة الحلي(قدس سره) في كتاب منتهى المطلب: (واعلم أن الناس في الهجرة على أقسام ثلاثة: أحدها: من تجب عليه، وهو من أسلم في بلاد الشرك وكان مستضعفاً فيهم لا يمكنه إظهار دينه ولا عذر له من مرض وغيره)(منتهى المطلب: ص898).
ويقول صاحب الجواهر(قدس سره): (يجب المهاجرة عن بلد الشرك على من يضعف عن إظهار شعار الإسلام من الأذان والصلاة والصوم وغيرها، سمّي ذلك شعاراَ لأنـّه علامة عليه، أو من الشعار الذي هو الثوب الملاصق للبدن، فاستعير للأحكام اللاحقة للدين) (جواهر الكلام: ج21، ص34).
وقال السيد الحكيم(قدس سره): (والأعرابي وإن فُسِّر بساكن البادية إلا أن منصرفه من كان متخلقاً بأخلاقهم الدينية المبنية على المسامحات) (مستمسك العروة: ج7، ص331).
وقال السيد الخوئي(قدس سره): (التعرب بعد الهجرة، أي الإعراض عن أرض المسلمين بعد الهجرة إليهم والانتقال إلى بلد الكفار) (شرح العروة الوثقى كتاب الصلاة: ص377).
شبهة وردها:
الكثير ممن هاجر إلى بلاد الشرك لأجل الدراسة أو للتجارة أو غيرها من دواعي السفر ربما تتولد لديهم شبهة وهي أنهم يتصورون عدم تأثرهم بما هو موجود في هذه البلاد من الانحلال وعدم المبالاة وانتشار كل مظاهر الفساد سواء كانت أخلاقية أم فكرية.
ومنشأ هذا التصور - بزعمهم- أنهم وصلوا إلى مرحلة من التشبع بما هو موجود واعتاد عليه، لكثرة ما يشاهدون وما يتعرضون له يومياً، وهم يعترفون بأنهم في بداية دخولهم لهذه البلاد قد تأثروا كثيراً وربما قد أنجرّ بعضهم إلى الموبقات وارتكاب المعاصي إلا ما رحم ربي..
وهذه شبهة قد سمعناها من البعض عندما طلب منهم الرجوع إلى بلادهم الإسلامية.
وفي مقام الرد عليهم يمكن القول: إن نفس الدخول بداية لمثل هذه البلاد - مع عدم الاضطرار لذلك أو كان لديهم خيار آخر - فيه إثم خصوصاً عندما يحتمل الإنسان عدم الحفاظ على دينه أو لا يحرز عدم الوقوع في المحرمات، وهذا ما صرَّحَ به أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، فقد كتب علي بن موسى الرضا(عليه السلام) إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: (وحرم الله التعرب بعد الهجرة للرجوع عن الدين وترك المؤازرة للأنبياء والحجج، وما في ذلك من الفساد وإبطال حق كل ذي حق لعلة سكنى البدو، ولذلك لو عرف الرجل الدين كاملاً لم يجز له مساكنة أهل الجهل والخوف عليه، لأنه لا يؤمن أن يقع منه ترك العلم والدخول مع أهل الجهل والتمادي في ذلك) (الوسائل: ج15، ص100).
كما أن نفس الاعتياد - على فرض إمكان ذلك - على مظاهر الفساد وعدم التأثر بها - بحسب زعمهم- فهذه مصيبة كبرى، لأنهم في الحقيقة وصلوا إلى مرحلة اعتياد المعاصي وعدم استقباحها والنفور منها، بل أصبحت المحرمات التي تشاع وتنتشر أمراً معتاداً، ثم أين ذلك الذي يدعي عدم التأثر بالمظهر الخارجي ومشاهدة مناظر الانحلال ويبقى صامدا أمام كل صورة وموقف؟
وهل له الإجابة عن موقف أولاده وعياله عندما ينشؤون في هذه البلاد وتنبت جذورهم فيه وتورق حياتهم بعيداً عن تعاليم الدين الحنيف، بل قد يأخذون تعاليمهم من وسطهم المشرك المنحل وتصبح تعاليم الغرب هي الأساس في بناء حياتهم.
وعلى فرض أنه لم يعتقد بما يخالف الشريعة، فلا أقل من الصعوبات التي يواجهها في ممارسة دينه وأحكامه الشرعية من الحلال والحرام وتجنب المحرمات من النظر والتعامل الربوي في بعض الأحيان واكتساب العادات والتقاليد التي تكون في تلك البلاد ومن ناحية ما يأكل ويشرب مما يصعب تبين الحلال والحرام فيه.