جاء الإسلام من أجل هداية المجتمع الإنساني، وإيصاله إلى قمّة التكامل والنمو والارتقاء الفكري والأخلاقي، بتقرير المنهج الإلهي في واقع الحياة، وجعله الحاكم على أفكار الناس، ومشاعرهم، ومواقفهم، خصوصاً وإن الإنسان يحمل في جوانحه الاستعدادات المختلفة للخير والشر والفضيلة والفجور، إضافة إلى دور الشيطان في الوسوسة والإغراء، فهو بحاجة إلى من يهديه ويرشده ويقوّم له تصوراته وعواطفه وممارساته العملية، لتسير على وفق العقيدة والشريعة الإسلامية، ولا تتحقق هذه الهداية بمجرد نزول المفاهيم والقيم على رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما لم تترسخ في حياة الناس وتكون جُزءاً من منظومتهم الفكرية والنفسية فيمارسونها بعد ذلك في حياتهم، فأوجب سبحانه وتعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعله من أركان الإسلام، لأنه غاية الدين وقوام الشريعة كما عبّر عنه الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): (غاية الدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود) (المستدرك: ج12، ص185)، وقال الإمام محمد الباقر(عليه السلام): (إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تُقام الفرائض وتَأمن المذاهب وتَحل المكاسب، وتُرد المظالم، وتُعمر الأرض ويُنتصف من الأعداء، ويَستقيم الأمر...) (الكافي: ج5، ص56).
فإن من أهم المهمات وأفضل القربات التناصح والتوجيه إلى الخير والتواصي بالحق والصبر عليه، والتحذير مما يخالفه ويُغضِب الله عز وجل ويباعد من رحمته، وقد عدّه العلماء الركن السادس من أركان الإسلام، وقدّمه الله عز وجل على الإيمان كما في قوله تعالى: >كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله< (آل عمران:110)، وقدّمه الله عز وجل في سورة التوبة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال تعالى: >وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ الله إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ< (التوبة:71).
وفي هذا التقديم إيضاح لعِظم شأن هذا الواجب وبيان لأهميته في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب، وبتحقيقه والقيام به تصلح الأمة ويكثر فيها الخير ويضمحل الشر ويقل المنكر، وبإضاعته تكون العواقب وخيمة والكوارث كبيرة والشرور كثيرة، وتتفرّق الأمة وتقسو القلوب أو تموت، وتظهر الرذائل وتنتشر، ويظهر صوت الباطل، ويفشو المنكر.
فضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
جاء في وصية رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين(عليه السلام) قال: (يا عليّ لئن يهدي الله على يديك نسمةً خيرٌ ممّا طلعت عليه الشمس) (مجمع البيان: ج3، ص75)، وقال(صلى الله عليه وآله): (أفضل الأعمال بعد الصلاة المفروضة، والزكاة الواجبة، وحجة الإسلام، وصوم شهر رمضان: الجهاد في سبيل الله، والدعاء إلى دين الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) (مسند زيد: ص351).
وتتجسد فضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن جعله الله تعالى باباً إلى الرحمة والفلاح وجعل تركه سبباً لنزول العقاب والعذاب في دار الدنيا، وفي دار الآخرة.
ومن فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يلي:
أولاً: أنه من مهام وأعمال الرسلG، قال تعالى: >وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا الله وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ< (النحل:36).
ثانياً: أنه من صفات المؤمنين كما قال تعالى: >التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ الله وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ< (التوبة:112)، على عكس أهل الشر والفساد: >الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا الله فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ< (التوبة:67).
ثالثاً: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الصالحين، قال تعالى: >لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ* يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ< (آل عمران:113- 114).
رابعاً: من فضل هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: >كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله< (آل عمران:110).
خامساً: أنه من أسباب النصر، قال تعالى: >وَلَيَنصُرَنَّ الله مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلله عَاقِبَةُ الأُمُورِ< (الحج:40- 41)، قال أبو عبد الله الصادق(عليه السلام): (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله فمن نصرهما أعزه الله ومن خذلهما خذله الله) (الكافي: ج5، ص59).
سادساً: هو من الخير الكثير وفيه من الأجر عظيم لمن قام به، قال تعالى: >لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً< (النساء:114)، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا) (كنز العمال: ج15، ص780).
سابعاً: أنه من أسباب تكفير الذنوب كما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) (كنز العمال: ج11، ص225).
ثامناً: في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظ للضرورات الخمس، وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفضائل غير ما ذكرنا.
آثار ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إذا تُرِك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعُطّلت رايته؛ ظهر الفساد في البر والبحر وترتب على تركه أمور عظيمة منها:
1- وقوع الهلاك والعذاب، قال الله عز وجل: >وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً< (الأنفال:25)، وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (لتأمرن بالمعروف ، ولتنهن عن المنكر، أو لَيَعُمَّنَّكم عذاب الله...) (الوسائل: ج16، ص135)، وعنه(صلى الله عليه وآله): (والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم) (كنز العمال: ج3، ص67)، وعن أبي جعفر وأبي عبد الله(عليه السلام) قال: (ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) (الوسائل: ج16، ص117)، وأوحى الله عز وجل إلى شعيب النبي(عليه السلام): (أني معذّب من قومك مائة ألف أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم، فقال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل إليه: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي) (الكافي: ج5، ص56).
2- عدم إجابة الدعاء، وقد وردت أحاديث في ذلك منها قال محمد بن عرفة: سمعت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) يقول: (لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم) (الوسائل: ج16، ص118).
3- لعن الله للأمة، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، ولتأطرنهم على الحق أطرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض وليلعنكم كما لعنهم) (تفسير الميزان: ج6، ص83).
4- تسلط الفساق والفجار والكفار، وتزيين المعاصي، وشيوع المنكر واستمراؤه، قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم...) (شرح النهج: ج3، ص77).
5- ظهور الجهل، واندثار العلم، وتخبط الأمة في ظلم حالك لا فجر لها، ويكفي عذاب الله عز وجل لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تسلط الأعداء والمنافقين عليه، وضعف شوكته وقلة هيبته.
معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
المعروف: هو كل فعل حسن، والمنكر: هو كل فعل قبيح.
وأما اصطلاحاً، فالمعروف: ما أمر الله تعالى به في كتابه، أو على لسان رسوله محمد(صلى الله عليه وآله)، وسمي هذا معروفاً، لأن النفوس السليمة تعرفه وتفضله وتشهد بحسنه وتقبله وتستحسن التعبد به، وبتعبير أخر المعروف ضد المنكر، وهو اسم لكل فعل يعرف بالعقل والشرع حسنه.
والمنكر: هو كل ما ينكر، وهو مشتق من الإنكار، وعلى هذا الأساس وُصِفت الأعمال الصالحة بأنها أمور معروفة، والأعمال السيئة بأنها أمور منكرة، لأن الفطرة الإنسانية الطاهرة تعرف القسم الأول وتنكر القسم الثاني. (تفسير الأمثل: ج2، ص631).
والطريق الأصوب لتحصيل مصاديقهما وتشخيصهما هو الرجوع إلى الشرع الذي هو عقل من الخارج - كما أن العقل شرع من الداخل - وعليه فكل ما أمر به الشارع الأقدس ورغب الناس إليه فهو معروف كما أن كـل ما نهى الشارع عنه المسلمين وذمهم ووبخهم عليـه فمنكـر.
أقسام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
المعروف ينقسم إلى: الواجب والندب، فالأمر بالواجب واجب، وبالمندوب مندوب وكذا النهي عن المكروه، فهو من جملة المعروف المندوب.
والمنكر: لا ينقسم، لأنه كله حرام، فالنهي عنه كله واجب.
شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ولا يجب النهي عن المنكر والأمر بالمعروف ما لم تكتمل شروط خمسة:
الأول: معرفة المعروف والمنكر ولو إجمالاً، فلا يجبان على الجاهل بالمعروف والمنكر، ولكن قد يجب التعلم مقدمة للأمر بالأول والنهي عن الثاني.
الثاني: احتمال ائتمار المأمور بالمعروف بالأمر، وانتهاء المنهي عن المنكر بالنهي، فإذا لم يحتمل ذلك، وعلم أن الشخص الفاعل لا يبالي بالأمر أو النهي، ولا يكترث بهما لا يجب عليه شيء على المشهور، ولكن لا يترك الاحتياط بإظهار الكراهة فعلا أو قولا ولو مع عدم احتمال الارتداع به.
الثالث: أن يكون الفاعل مصرا على ترك المعروف، وارتكاب المنكر فإذا كانت أمارة على ارتداع العاصي عن عصيانه لم يجب شيء، بل لا يبعد عدم الوجوب بمجرد احتمال ذلك، فمن ترك واجباً أو فعل حراماً واحتمل كونه منصرفاً عنه أو نادماً عليه لم يجب شيء، هذا واعتبار الإصرار لعله المشهور بين الفقهاء ولكن الظاهر كفاية إحراز عزمه على ترك المعروف وفعل المنكر حدوثاً أو بقاء بحيث يكون توجيه الأمر أو النهي الشخصي إليه في محله عند العقلاء ولو لم يكن متلبساً بالمعصية فضلاً عن توقف الوجوب على الإصرار.
الرابع: أن يكون المعروف والمنكر منجزاً في حق الفاعل، فإن كان معذوراً في فعله المنكر، أو تركه المعروف، لاعتقاد أن ما فعله مباح وليس بحرام، أو أن ما تركه ليس بواجب، وكان معذوراً في ذلك للاشتباه في الموضوع، أو الحكم اجتهاداً، أو تقليداً لم يجب شيء، وكذا إذا لم يكن معذوراً في فعله في بعض الموارد كما إذا عجز عن الجمع بين امتثال تكليفين بسوء اختياره وصرف قدرته في امتثال الأهم منهما، فإنه لا يكون معذوراً في ترك المهم وإن كانت وظيفته عقلا الإتيان بالأهم انتخاباً لأخف القبيحين بل والمحرمين، هذا ولو كان المنكر مما لا يرضى الشارع بوجوده مطلقا كالإفساد في الأرض وقتل النفس المحترمة ونحو ذلك فلا بد من الردع عنه، ولو لم يكن المباشر مكلفاً فضلاً عما إذا كان جاهلاً بالموضوع أو بالحكم .
الخامس: أن لا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر على الآمر في نفسه أو عرضه أو ماله المعتد به، وكذا لا يلزم منه وقوعه في حرج لا يتحمله، فإذا لزم الضرر أو الحرج لم يجب عليه ذلك، إلا إذا أحرز كونه بمثابة من الأهمية عند الشارع المقدس يهون دونه تحمل الضرر أو الحرج، والظاهر أنه لا فرق فيما ذكر بين العلم بلزوم الضرر أو الظن به أو الاحتمال المعتد به عند العقلاء الموجب لصدق الخوف.
وإذا كان في الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر خوف الإضرار ببعض المسلمين في نفسه أو عرضه أو ماله المعتد به فالظاهر سقوط وجوبهما، نعم إذا كان المعروف والمنكر من الأمور المهمة شرعاً فلا بد من الموازنة بين الجانبين بلحاظ قوة الاحتمال وأهمية المحتمل فربما لا يحكم بسقوط الوجوب وربما يحكم به .
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ذكر الفقهاء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب لابد من رعاية تدرجها في الأمر والنهي، نذكرها بحسب ما رتبها الفقهاء (قدست أسرارهم) وهي كما يلي:
1- مرتبة القلب: والمقصود بها: أن يعمل الآمر أو الناهي عملاً يظهر منه انزجاره القلبي عن المنكر، ومعنى ذلك: أن المطلوب هو إظهار ما في قلب الناهي أو الآمر من حالة بغض ونفور من حالة ترك المعروف أو فعل المنكر بطريقة يفهم منها أنه يدعوه إلى العودة عن ترك المعروف، والانتهاء عن فعل المنكر.
ولابد من الالفات إلى أن بعض هذه الأعمال يكون أقل حدة من بعضها الآخر ولذا لابد من رعاية القاعدة أعلاه حتى في نفس المرتبة فما كان أقل حدة من درجات مرتبة القلب وكان مؤثراً فلا يجوز التجاوز إلى ما هو أشد من نفس الرتبة.
وعن مصاديق هذه المرتبة يقول الفقهاء: (وله درجات كغمض العين، والعبوس والانقباض في الوجه، وكالإعراض بوجهه أو بدنه، وهجره وترك مراودته ونحو ذلك).
2- مرتبة اللسان: وهي الأمر والنهي لساناً، والمقصود به الأمر للتارك للمعروف أو النهي لفاعل المنكر بواسطة الكلام بحيث يفهم منه الفاعل أو التارك الأمر والنهي، ولابد من التنبيه إلى أنه لا يلجأ إلى هذه المرتبة إلا إذا لم يحتمل التأثير بإظهار التنفر القلبي وهو المرتبة الأولى، يقول الفقهاء (قدست أسرارهم): لو علم أن المقصود لا يحصل بالمرتبة الأولى (مرتبة القلب) يجب الانتقال إلى الثانية (اللسان) مع احتمال التأثير.
ولهذه المرتبة كذلك درجات تختلف شدة وليناً فمنها:
الأولى: الوعظ والإرشاد والقول اللين، بأن يعظ الفاعل وينصحه، ويذكر له ما أعد الله سبحانه للعاصين من العقاب الأليم والعذاب في الجحيم، أو يذكر له ما أعده الله تعالى للمطيعين من الثواب الجسيم والفوز في جنات النعيم، ومع احتمال التأثير بها يجب رعايتها ولا يجوز تعديها إلى ما هو أشد.
الثانية: الأمر والنهي مع علم الآمر أو الناهي عدم تأثير الوعظ والإرشاد بالقول اللين، فينتقل إلى المرتبة الأعلى من الأمر والنهي، ويجب أن يكون من الأيسر في القول إلى الأيسر مع احتمال التأثير ولا يجوز التعدي (لا سيما إذا كان المورد مما يهتك الفاعل به).
الثالثة: غلظة القول والتشديد (مع احتمال التأثير به وعدم احتمال التأثير بما ذكر أعلاه) بأن يشدد في الأمر وبالوعيد على المخالفة.
3- مرتبة الفعل أو اليد: وهي مرتبة الإنكار باليد ولا يصار إلى هذه المرتبة إلا بالعلم أو الاطمئنان بأن التأثير لا يحصل بأي من المرتبتين الأوليين وله درجات.
الأولى- الحيلولة: بأن يحول بين الفاعل وبين المنكر، كحبس الفاعل ومنعه من الخروج من منزله أو كسر آلة اللهو والمنكر، مع مراعاة الأيسر فالأيسر، وينبغي في هذه الصورة الاستئذان من الفقيه الجامع للشرائط.
الثانية- الضرب والإيلام: الظاهر جوازهما مراعياً للأيسر فالأيسر وينبغي أخذ الإذن من الفقيه الجامع للشرائط.
الثالثة- الجرح أو القتل: ولا يجوز إلا بإذن الإمام على الأقوى، ويقوم في هذا الزمان الفقيه الجامع للشرائط مقامه مع حصول الشرائط.
ملاحظة: التعدي عن المقدار اللازم في دفع المنكر مع وجود ضرر على فاعل المنكر محرم، ويكون الناهي ضامناً.