اغتنام فرصة العمر

لو وازن الإنسان بين جميع مُتع الحياة ومباهجها، وبين عمره وحياته لوجد أنّ العمر أغلى وأنفس منها جميعاً، وأنه لا يعدله شيء من نفائس الحياة وأشواقها الكثر، إذ من الممكن اكتسابها أو استرجاع ما نفر منها.

أما العمر فإنه الوقت المحدد الذي لا يستطيع الإنسان إطالة أمده، وتمديد أجله المقدر المحتوم: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)[1].

كما يستحيل استرداد ما تصرم من عمره الذي قضاه في معصية الله تعالى، ولو بذل المرء في سبيل ذلك جميع مقتنيات الحياة.

وحيث كان الإنسان غفولاً عن قيمة العمر وجلالة قدره، فهو يسرف عابثاً في تضييعه وإبادته، غير آبه لما تصرم منه، ولا مغتنم فرصته السانحة.

من أجل ذلك جاءت توجيهات آل البيت (عليهم السلام) موضحة نفاسة العمر، وضرورة استغلاله وصرفه فيما يوجب سعادة الإنسان ورخائه في حياته العاجلة والآجلة.

قال سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) في وصيته لأبي ذر: (يا أبا ذر، كُن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك)[2].

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنما الدنيا ثلاثة أيام: يوم مضى بما فيه فليس بعائد، ويوم أنت فيه فحقّ عليك اغتنامه، ويوم لا تدري أنت من أهله،

ولعلك راحل فيه، أما اليوم الماضي فحكيم مُؤدب، وأما اليوم الذي أنت فيه فصديق مودّع، وأمّا غدا فإنما في يديك منه الأمل)[3].

وعنه (عليه السلام): (ما من يوم يمر على ابن آدم، إلا قال له ذلك اليوم: أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل فيّ خيراً، واعمل فيّ خيراً، أشهد لك به يوم القيامة، فإنك لن تراني بعده أبداً)[4].

وروي أنه جاء رجل إلى علي بن الحسين C يشكو إليه حاله، فقال: (مسكين ابن آدم، له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا:

فأما المصيبة الأولى: فاليوم الذي ينقص من عمره، قال: وإن ناله نقصان في ماله اغتم به، والدرهم يخلف عنه والعمر لا يردّه شيء.

والثانية: أنه يستوفي رزقه، فإن كان حلالاً حُوسِبَ عليه، وإن كان حراماً عوقب عليه.

قال: والثالثة أعظم من ذلك. قيل: وما هي؟ قال: ما من يوم يمسي إلا وقد دنى من الآخرة مرحلة، لا يدري على جنة أم على نار.

وقال (عليه السلام): أكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يولد من أمّه، قالت الحكماء: ما سبقه إلى هذا أحد)[5].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (اصبروا على طاعة اللّه، وتصبّروا عن معصية اللّه، فإنما الدنيا ساعة، فما مضى فليس تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأت فلس تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها، فكأنك قد اغتبطت)[6].

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (لا يغرّنك الناس من نفسك، فإن الأمر يصل إليك دونهم، ولا تقطع نهارك بكذا وكذا، فإنّ معك من يحفظ عليك عملك، فأحسن فانّي لم أر شيئاً أحسن دركاً، ولا أسرع طلباً، من حَسَنة محدثة لذنب قديم)[7].

وعن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): (يا علي بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك)[8].

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (لا يزولُ قدم عبد يوم القيامة من بين يدي اللّه عز وجل حتى يسأله عن أربع خصال: عمرك فيما أفنيته؟ وجسدك فيما أبليته؟ ومالك من أين اكتسبته وأين وضعته؟ وعن حبنا أهل البيت(عليهم السلام)؟)[9].

وقال بعض الحكماء: إنّ الإنسان مسافر، ومنازله ستة، وقد قطع منها ثلاثة وبقي ثلاثة: فالتي قطعها:

فأولها: من كتم العدم إلى صلب الأب وترائب الأم.

وثانيها: رحم الأم.

وثالثها: من الرحم إلى فضاء الدنيا.

 وأما التي لم يقطعها:

 فأولها: القبر.

 وثانيها: فضاء المحشر.

وثالثها: الجنة أو النار.

ونحن الآن في قطع مرحلة المنزل الثالث، ومدة قطعها مدة عمرنا، فأيامنا فراسخ، وساعاتنا أميال، وأنفاسنا خطوات، فكم من شخص بقي له فراسخ، وآخر بقي له أميال، وثالث بقي له خطوات. وما أروع قول الشاعر:

دقاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ لهُ ***  إنَّ الحياةَ دقائقٌ وثواني

 


[1]  سورة الأعراف: آية 34.

[2]  أمالي الشيخ الطوسي: ص527.

[3]  بحار الأنوار: ج70 ص111.

[4]  أمالي الشيخ الصدوق: ص169.

[5]  بحار الأنوار: ج75 ص160.

[6]  الكافي: ج2 ص459.

[7]  المصدر السابق: ج2 ص454.

[8]  وسائل الشيعة: ج16 ص83.

[9]  خاتمة المستدرك: ج3 ص246.