إن محاسبة النفس ليست بالأمر السهل، ولا بد أن تتم هذه العملية في ثلاث مراحل حتى يعتاد الإنسان عليها، وهذه المراحل هي:
1- المعاهدة: يبدأ الإنسان في الصباح فيخلو إلى نفسه، ويعظها ويطلب منها أن تغتنم عمرها، وبالتالي يأخذ منها العهد بأن لا ترتكب المعصية ولا تترك الطاعة، وكذلك يستطيع أن يتوجه إلى لسانه ويحذره الغيبة، والكذب، وبقية المعاصي التي تؤدي إلى إفساد حياته في الآخرة، ويأخذ منه العهد على ألا يقع في هذه المحرمات، والشيء نفسه يمكن أن يفعله مع بقية الجوارح.
2- المراقبة: بعد الانتهاء من المعاهدة، تبدأ مرحلة مراقبة النفس، من أجل أن يردعها عن محاولة التخلي عن الالتزام بالعهد، وإن من كان دائماً في حال ذكر الله تعالى، ويرى أنه في محضره عز وجل، فإنه سيلتفت دائماً إلى نفسه وإلى عهده، ويداوم على مجاهدتها ولا يغفل عنها، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إن الحازم من شغل نفسه بحال نفسه فأصلحها، وحبسها عن أهوائها ولذاتها فملكها، وإن للعاقل بنفسه عن الدنيا وما فيها وأهلها شغلاً)[1].
3- المحاسبة: بعد انتهاء المراقبة، يجب أن يحدد الإنسان ساعة كل يوم من أجل أن يحاسب نفسه، ولعل الوقت الأفضل هو وقت المساء، فيجلس ليرى ما فعله في نهاره ساعةً بساعة، فإن فعل خيراً حمد الله تعالى على توفيقه لفعل الطاعة، وإن فعل المعصية وبخ نفسه وانتهرها، وأعلن توبته لله تعالى وخاطبها: أيتُها النفس المرحومة، لقد أعطاك الله، ما أعطاك حتى تصبحي من المقربين، فماذا تفعلين؟ لقد كفرتِ بنعمة الله، وتجعلين نفسك وقوداً لسجيل، فلا يزال يشدد عليها حتى تنزجر، يقول الإمام علي (عليه السلام): (مَن وبّخ نفسه على العيوب ارتدعت عن كثير من الذنوب)[2].
إن حساب النفس من الأهمية بمكان، فإن الإمام الكاظم (عليه السلام) جعله مقياساً لمن ينتمي إلى أهل البيت (عليهم السلام)، يقول (عليه السلام): (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسنا استزاد الله وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه)[3].
وبالتالي إن من يدرك شدة الحساب يوم القيامة، فلا بد أن يسعى لتخفيف حسابه وجعله يسيراً، وهو ما يتطلب أن يحاسب نفسه في الدنيا، مستفيداً من المعاهدة والمراقبة والمحاسبة، وهو ما يعني تزكية نفسه وتهذيبها لتبتعد عن المعصية وتقترب من الطاعة وتقدم على فعل الخيرات.