اعلم أن التوبة من الذنب وكيفية الخروج عنها تختلف بحسب نوع الذنوب التي كان يقارفها الإنسان، لأن المعاصي إما من حقوق الله وهي التي بينه وبين الله، أو حقوق الناس وهي التي بينه وبين المخلوق، والأولى -أي: حقوق الله- إما: واجبات أو محرمات، فهذه أقسام ثلاثة للتوبة:
الأول: فإذا كان قد ترك الطاعات الواجبة بينه وبين الله تعالى من الصلاة، والصوم، والزكاة، والخمس والكفارة وغيرها، فطريق التوبة عنها: أن يندم على ما فرّط في طاعة الله، ويعزم على تعويض ما فات، وذلك بأن يعلم مقدار ما تركه من الطاعات إن كان متيسراً، أو يجتهد في تحصيل هذا المقدار إن كان متعسراً، ثم يبادر في قضائه ولا يتهاون في ذلك، حتى يحصل له اليقين بفراغ الذمة عن الواجب المكلف به.
الثاني: وإذا كان قد فعل المحرمات التي بينه وبين الله، أعني المنهيات: كشرب الخمر، وضرب المزامير، والكذب، والزنا بغير ذات بعل - والعياذ بالله-، فطريق التوبة عنها: أن يندم عليها، ويوطن قلبه على ترك العود إلى مثلها أبداً.
الثالث: وأما إذا كان قد قارف الذنوب التي بينه وبين العباد، وهي المعبر عنها بحقوق الناس، وهي إما في المال، أو في النفس، أو في العرض فالأمر فيها أصعب وأشكل: فما كان في (المال): يجب عليه أن يرده إلى صاحبه إن أمكنه، فإن عجز عن ذلك لِعُدم أو فقر، وجب أن يستحل منه، وإن لم يحله أو عجز عن الوصول إليه لغيبة الرجل غيبة منقطعة أو موته وعدم بقاء وارث له، فليتصدق عنه إن أمكنه، وإلا فعليه بالتضرع والابتهال إلى الله أن يرضيه عنه يوم القيامة، وعليه بتكثير حسناته هو وتكثير الاستغفار لصاحبه، ليكون يوم القيامة عوضاً عن حقه، إذ كل مَن له حق على غيره لا بد أن يأخذ يوم القيامة عوضاً عن حقه، إما بعض طاعاته أو بتحمل هذا الغير بعض سيئاته.
وما كان في (النفس): فإن كانت جناية جرت عليه خطأ وجب أن يعطي الدية، وإن كان عمداً وجب عليه أن يمكّن المجني عليه أو أولياءه - مع هلاكه - من القصاص حتى يقتص منه، أو يجعله في حل، وإن عجز عن ذلك فعليه بكثرة إعتاق الرقاب، لأن ذلك نوع إحياء وإيجاد لا يقدر الإنسان على أكثر منه، وعليه الرجوع أيضاً إلى الله بالتضرع والابتهال أن يرضيه عنه يوم القيامة.
وما كان في (العرض): بأن شتم أحدا، أو قذفه، أو بهته، أو اغتابه، فحقه أن يكذّب نفسه عند من قال ذلك لديه، ويستحل من صاحبه مع الإمكان، إن لم يخف تهديده وزيادة غيظه وهيجان فتنته من إظهاره، فإن خاف ذلك، فليكثر الاستغفار له، ويبتهل إلى الله أن يرضيه عنه يوم القيامة.
ومجمل ما يلزم في التوبة عن حقوق الناس: إرضاء الخصوم مع الإمكان، وبدونه التصدق وتكثير الحسنات والاستغفار، والرجوع إلى الله بالتضرع والابتهال، وليرضيهم عنه يوم القيامة، ويكون ذلك بمشيئة الله، فلعله إذا علم الصدق من قلب عبده، ووجد ذله وانكساره، ترحم عليه وأرضى خصماءه من خزانة فضله، فلا ينبغي لأحد أن ييأس من روح الله.