إن لتأخير التوبة وتسويف الإقلاع عن الذنوب مخاطر كبيرة، نذكر منها:
أولاً: إن تأخير التوبة مدعاة لأن يخسر الإنسان لطف الله تعالى في محو المعصية والعفو عن الذنب عاجلاً، فالكثير من النصوص الدينية تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى إنما يمحو الذنب عن عباده إذا ما سارعوا إلى التوبة حتى كأنهم لا ذنب لهم، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إن العبد إذا أذنب ذنبا أجّل من غدوة إلى الليل، فإن استغفر الله لم يكتب عليه)[1].
وكأن في ذلك - بمقتضى قول الإمام (عليه السلام) - فرصة للإنسان للمراجعة والتوبة قبل أن تكتب عليه معاصيه.
وعنه (عليه السلام): (العبد المؤمن إذا أذنب ذنباً أجّله الله سبع ساعات فإن استغفر الله لم يكتب عليه شيء، وإن مضت الساعات ولم يستغفر كتبت عليه سيئة وإن المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له)[2].
ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما روي عنه: (إن قارفت سيئة فعجل محوها بالتوبة)[3].
ثانياً: ينطوي تأجيل التوبة على مخاطر منها ضعف إرادة المرء واهتزاز عزيمته على التوبة، ويعود ذلك إلى أن الإنسان كلما استمر في القبول بالذنب وممارسته فإنه يتكيف معه ويتطبع به، من هنا تأتي أهمية اقتناص لحظات الهداية لاتخاذ قرار التوبة، حذراً من فوات هذه الفرصة.
ولعل أقرب مثال يذكر في هذا السياق ما نجده من تقلبات في اتخاذ القرار لدى الأطراف المتنازعة في قضايا إصلاح ذات البين، إذ تجد بعض الأشخاص يوافقون على تسوية الخلاف مع أقربائهم بعد طول حديث معهم، وتجدهم يعدون بإصلاح الأمر في الغد، إلا أنهم سرعان ما يتراجعون عما عزموا عليه في اليوم التالي وكأن شيئاً لم يكن.
هنا يأتي دور الشيطان الذي يعمل بجد في هذه اللحظات، ولذلك على الإنسان أن لا يؤجل التوبة والإقلاع عن الذنب فور تنبهه إلى الخطأ والذنب.
من هنا نفهم قول الله تعالى حين يتحدث في محكم كتابه الكريم عن المسارعة إلى التوبة: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً)[4].
ومضمون التعبير القرآني: (يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ)، أي: لا يتأخرون في التوبة، وورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (لا دين لمسوف بتوبته)[5]، وفي ذلك إشارة خطيرة من الإمام (عليه السلام) بأن من يسوّف التوبة سيكون عرضة لفقدان الحالة الدينية في نفسه.
ثالثاً: عدم ضمان المرء لحياته، فإلى متى سوف يؤجّل المرء التوبة ومتى سيقلع عن الذنب، أتراه يضمن حياته، أفلا يخشى هجوم الأجل عليه وهو بعد لم ينجز التوبة؟ ورد عن الإمام علي (عليه السلام): (مسوّف نفسه بالتوبة، من هجوم الأجل على أعظم خطر)[6].
من هنا كان على الإنسان أن يبادر للإقلاع عن أي ذنب ومعصية، سواء في ذلك على مستوى العلاقة مع الله أو الناس، وكثيرا ما تجد أناساً لا يؤدون الحقوق الشرعية، ومع أنهم يدركون أن ذلك حق عليهم، لكنهم يسوفون في الأمر، والسؤال هنا؛ إلى متى التسويف؟ وهل تضمن استمرار حياتك وقوة إرادتك؟ فلطالما رأينا أشخاصاً تحدثوا عن قناعة بالحقوق الشرعية فيبادرون بعد حين بأدائها، غير أن آخرين غيرهم لم يؤدوا حقهم الشرعي تحت ضغط التأجيل والتسويف، ولم يمهلهم الأجل طويلاً.
وعلى غرار ذلك أشخاص آخرون انخرطوا في مشاكل مع أزواجهم وجيرانهم والواحد منهم يعلم بخطئه، لكن مع ذلك يسوّف في إصلاح أمره، فهل يضمن مثلُ هذا حياته؟
إن على الإنسان أن يبادر إلى التوبة بمجرد أن يتنبه إلى الخطأ والمعصية، وهذا ما يوجه إليه الإمام الجواد (عليه السلام) بقوله: (تأخير التوبة اغترار- أي حالة من الغرور يعيشها الإنسان الذي يعتقد بطول الأمل والعمر- وطول التسويف حيرة - أي يجعل الإنسان حائراً بين الصح والخطأ من حيث السلوك - والاعتلال على الله هلكة - أي يتحجج بالعثور على فرصة مناسبة، في وقت آخر، هذه كلها أعذار: (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) - والإصرار على الذنب أمن لمكر الله: (أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ))[7].
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المبادرين إلى التوبة وأن يتقبلها منا بقبول حسن ويوفقنا لكل خير وصلاح.