فضيلة التوبة وثمارها

التوبة أول مقامات الدين، ورأس مال السالكين، ومفتاح استقامة السائلين، ومطلع التقرب إلى رب العالمين، مدحها عظيم، وفضلها جسيم، قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[1].

وناهيك في فضلها أنّها بلسم الذنوب، وسفينة النجاة، وصمام الأمن من سخط اللّه تعالى وعقابه.

وقد أبَت العناية الإلهية أن تُهمل العصاة يتخبطون في دياجير الذنوب، ومجاهل العصيان، دون أن يسعهم الله بعطفه السامي، وعفوه الكريم، فشوَّقهم إلى الإنابة، ومهَّد لهم التوبة، فقال سبحانه: (وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[2].

وقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[3].

وقال عز وجل: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً)[4].

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (التائب حبيب الله، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له)[5].

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (إن الله تعالى أشدُّ فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها، فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها)[6].

وعنه (عليه السلام): (التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ)[7].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن الله يحب من عباده المفتن التواب)[8]. يعني كثير الذنب كثير التوبة.

وعنه (عليه السلام): (إذا تاب العبد توبة نصوحا، أحبه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة، فقلت: وكيف يستر عليه؟ قال: ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ويوحي إلى جوارحه: اكتمي عليه ذنوبه ويوحي إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله عز وجل حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب)[9].

وعنه (عليه السلام): (إن الله عز وجل أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطى خصلة منها جميع أهل السماوات والأرض لنجوا بها: قوله عز وجل: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)، وقوله: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ* رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وقوله: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً))[10].

وقال أبو الحسن الكاظم (عليه السلام): (أحب العباد إلى الله المنيبون التوابون)[11].

وعن أبي عبد اللّه أو أبي جعفر C قال: (إن آدم قال: يا رب سلّطت عليّ الشيطان وأجريته مني مجرى الدم فاجعل لي شيئاً.

 

فقال: يا آدم جعلتُ لك أنَّ مَنْ همّ من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت عليه سيئة، ومَنْ همّ منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة، وإن هو عملها كتبت له عشراً.

قال: يا رب زدني.

قال: جعلت لك أنَّ مَنْ عمل منهم سيئة ثم استغفر غفرت له.

قال: يا رب زدني.

قال: جعلت لهم التوبة - أو قال: بسطت لهم التوبة- حتى تبلغ النفس هذه. قال: يا رب حسبي)[12].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (العبد المؤمن إذا أذنب ذنباً أجَّلَه اللّه سبع ساعات، فإن استغفر اللّه لم يكتب عليه شيء، وإن مضت الساعات ولم يستغفر كتبت عليه سيئة، وإنَّ المؤمنَ ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له، وإن الكافر لينساه من ساعته)[13].

وعنه (عليه السلام): (ما من مؤمن يقارف في يومه وليلته أربعين كبيرة فيقول وهو نادم: أستغفر اللّه الذي لا إله إلا هو الحي القيّوم بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد وأن يتوب عليّ إلا غفرها اللّه له، ولا خير فيمن يقارف في يومه أكثر من أربعين كبيرة)[14].

 


[1]  سورة البقرة: آية222.

 

[2]  سورة الأنعام: آية54.

 

[3]  سورة الزمر: آية53.

 

[4]  سورة نوح: آية10 – 12.

 

[5]  جامع السعادات: ج3 ص51.

 

[6]  الكافي: ج2 ص435.

 

[7]  المصدر السابق.

 

[8]  الكافي: ج2 ص432.

 

[9]  المصدر السابق: ج2 ص430.

 

[10]  الكافي: ج2 ص432.

 

[11]  جامع السعادات: ج3 ص52.

 

[12]  الكافي: ج2 ص440.

 

[13]  المصدر السابق: ج2 ص437.

 

[14]  وسائل الشيعة: ج15 ص333.