الإنابة من مراتب التوبة

الإِنابةُ لغة: الرجوعُ إِلى اللَّه بالتَّوبة.

وفي التنزيل العزيز : (مُنِيبين إِليه)، أَي: راجعين إِلى ما أَمَرَ به، غير خارجين عن شيءٍ من أَمرِه.

وقوله عز وجل: (وأَنِيبُوا إِلى ربكم وأَسْلِمُوا له)، أَي: تُوبوا إِليه وارْجِعُوا، وقيل: إِنها نزلتْ في قوم فُتِنُوا في دِينِهم، وعُذِّبُوا بمكة، فرجَعُوا عن الإِسلام، فقيل: إِنَّ هؤُلاء لا يُغْفَرُ لهم بعد رُجوعهم عن الإِسلام، فأَعْلم اللَّه عز وجل، أَنهم إِن تابوا وأَسلموا، غَفَرَ لهم[1].

اعلم أن الإنابة هي الرجوع عن كل شيء مما سوى الله، والإقبال على الله تعالى بالسر والعلن، والقول والفعل، حتى يكون دائما في فكره وذكره وطاعته، فهو غاية درجات التوبة وأقصى مراتبها، إذ التوبة هي الرجوع عن الذنب إلى الله، والإنابة هي الرجوع عن المباحات أيضا إليه سبحانه، فهي من المقامات العالية والمنازل السامية، قال الله سبحانه: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)[2]، وقال سبحانه: (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ)[3]، وقال عز وجل: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ* مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ* ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ* لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)[4].

وإنابة العبد تتم بثلاثة أمور:

الأول: أن يتوجه إليه بتمام باطنه حتى يستغرق قلبه في فكره.

الثاني: ألا يكون خاليا عن ذكره وذكر نعمته ومواهبه وذكر أهل حبه وتقربه.

الثالث: أن يواظب على طاعاته وعباداته مع خلوص النية.

 


[1]  لسان العرب: ج1، ص775.

[2]  سورة الزمر: آية54.

[3]  سورة غافر: آية13.

[4]  سورة ق: آية31- 35.