خلاصة الكلام

وبالجملة فهناك معادلة وقانون إلهي في الدنيا يربط بين الذنب الذي يذنبه العبد وبين البلاء الذي يمتحن به، فبكل ذنب بلاء ولذا كثرت الأمراض بكثرة الذنوب وظهرت أنواع جديدة منها، وما هو إلا بسبب الذنوب، فعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث اللَّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون)[1].

بل إن بعض الذنوب تسلب بركات اللَّه ورحمته، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (كان أبي يقول: إن اللَّه قضى قضاءً حتماً لا ينعم على العبد بنعمة فيسلبها إياه حتى يحدث العبد ذنباً يستحق بذلك النقمة)[2].

فهذا صك ضمان من اللَّه تعالى بعدم سلب النعمة من العبد حتى يعصي العبد ويستحق النقمة من الله، فلا تعصوا الله لكي لا تسلب منكم النعم، ولكي تنزل بركاته عليكم، فإن الإنسان إذا عصى اللَّه منع عنه ما أراد أن يعطيه من مال أو ولد أو جاه أو صحة أو غيرها، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (إن العبد يسأل اللَّه الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو وقت بطيء، فيذنب العبد ذنباً فيقول اللَّه تبارك وتعالى للملك: لا تقضي حاجته واحرمه إياها، فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني)[3].

وهنالك نوع من الذنوب مفعولها سريع فيعاقب الإنسان بها في الدنيا فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال: (ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تؤخر إلى الآخرة: عقوق الوالدين، والبغي على الناس، وكفر الإحسان)[4].

بل وهنالك ذنوب لها آثارها الخاصة وإليك هذا الخبر فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (الذنوب التي تغير النعم البغي والذنوب التي تورث الندم القتل، والتي تنزل النقم الظلم، والتي تهتك الستر شرب الخمر، والتي تحبس الرزق الزنا، والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم، والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين)[5].

ولا تظنن أن للمعصية حلاوة حقيقية فإن ما يظهر منها من لذة موهومة سرعان ما تتلاشى ويبقى العقاب، ففي الدنيا ذل، كما عن الإمام علي (عليه السلام) قال: (من تلذذ بمعاصي اللَّه أورثه اللَّه ذلاً)[6].

وفي الآخرة أليم العقاب، كما ورد عنه (عليه السلام) أنه قال: (حلاوة المعصية يفسدها ألم العقوبة)[7].

وهل نتصور أن إنساناً يتلذذ بسخط اللَّه تعالى؟ نعم مَن نسي اللَّه تعالى أنساه اللَّه نفسه فيغرق في بحر الذنوب والآثام.

وهنا نعرض مجموعة من الأحاديث تلخص حال الإنسان في الحياة الدنيا بالنسبة إلى الذنوب.

الأول: عن الإمام الصادق (عليه السلام): (من أراد عزا بلا عشيرة، وغنى بلا مال، وهيبة بلا سلطان، فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته)[8].

الثاني: في الحديث القدسي: (عبدي أطعني حتى أجعلك

مِثلي أو مَثَلي أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون)[9]، وفي نص أخر: (عبدي أطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون)[10].

والثالث: عن حماد بن بشير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عز وجل: (... ما تقرب إليّ عبد بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موت المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته)[11].

 


[1]  المصدر السابق: ج11 ص240.

[2]  وسائل الشيعة: ج15 ص303.

[3]  الكافي: ج2 ص272.

[4]  أمالي الشيخ المفيد: 238.

[5]  الكافي: ج2 ص448.

[6]  موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام): ج4 ص47.

[7]  ميزان الحكمة: ج2 ص994.

[8] بحار الأنوار، ج78، ص192.  

[9] بحار الأنوار: ج102، ص164.

[10] التفسير الكاشف: ج6، ص520.

[11] الكافي: ج2، ص352.