وسائل علاج الذنوب

قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ)[1].

وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[2].

كما تجدر المسارعة إلى علاج الجسم من الأمراض قبل استفحالها، وتطهيره من الجراثيم قبل أن يضعف الجسم عن مكافحتها، كذلك تجب المبادرة إلى تصفية النفس وتطهيرها من أضرار الذنوب ودنس الآثام قبل تفاقم غوائلها وعسر تداركها.

وكما تعالج الأمراض البدنية بتجرع العقاقير الكريهة الرائحة والمرة المذاق والاحتماء عن المطاعم الشهية الضارة كذلك تعالج الذنوب بتحمل أعباء التوبة والإقلاع عن الشهوات العارمة والأهواء الجامحة‌ ليأمن التائب أخطارها ومآسيها الدنيوية‌ والأخروية.

فالتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى بقلب صادق وبذل كل ما يرفع سخط الرحمن، فالإنسان لا يعلم متى سيلاقي ربه هل في شبابه أم في هرمه هل في صحته ‌أم في سقمه هل حال طاعته‌ أم حال معصيته فلذا يجب على الإنسان العاقل أن يتوب إلى الله تعالى ولا يمني نفسه بغد وبعد غد بل يبادر في شبابه قبل هرمه وفي صحته قبل سقمه وهذا أمر طبيعي للمؤمن الذي يوقن بالآخرة والجزاء، وأن حال الدنيا مَعْبَر لا مستقر، فمن نظر بهذا المنظار فلن يعصيَ الله تعالى طرفة‌ عين أبداً، ولذا ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (تفكر ساعة خير من عبادة سنة قال الله: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ))[3]، وسيأتي في الفصل اللاحق تفصيل الكلام عن .

الآثار العامّة على المجتمع لانتشار المعاصي[4]:

هناك آثار عامة على المجتمع تنشأ من ارتكاب أو انتشار المعاصي أيًّا كان نوعها، وهناك آثار خاصة تنشأ عن ارتكاب معاصي بعينها، ومن هنا سوف نتحدث فيما يأتي عن آثار المعاصي على المجتمع بشكل مختصر، فنقول:

إن للمعاصي آثارًا عامة كبيرة على مرتكبها أو على أسرتهِ ومجتمعهِ وأمَّتهِ أو على مظاهر الحياة الأخرى كالأرض والسماء والبحرِ والدوابِّ والطير وغيرها، قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[5].

ومن هذا اللون من الآثار:

1. هلاك الأمم:

وقد كان نزول الهلاك العام بسبب المعاصي جارٍ في الأمم السابقة قبل الإسلام، فأهلك الله قوم نوح بالطوفان، وقوم هود بالريح العقيم، وقوم صالح بالصيحة، وقوم لوط بقلب قريتهم وإمطارهم بحجارة من سجيل، وقوم شعيب بالرجفة والزلزال، وأهلك الله تعالى فرعون وجنوده بالغرق، وغيرهم بغير ذلك من ألوان العذاب.

قال تعالى: (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى* وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى* وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى* وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى* فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى)[6].

وقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا* فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا* وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا* وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا* وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا)[7].

وقال تعالى: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[8].

وقد رفع الله تعالى عذاب الاستئصال والهلاك العام عن هذه الأمة رحمة منه سبحانه وتعالى بخاتم النبيّين وسيّد المرسلين النبيّ الأعظم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام)، قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[9].

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) -لما سئل عن علة احتياج الناس إلى النبيّ والإمام- قال (عليه السلام): (لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أنّ الله عزّ وجلّ يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبيّ أو إمام)[10].

ولكن لا يمنع هذا من نزول عذاب الاستئصال بشكل جزئي بسبب المعاصي، على بعض الطغاة والجبابرة مع أعوانهم والراضين بفعلهم، وهذا ما يخبر به التاريخ ويؤيّده الواقع وتشهد له الروايات.

2. ظهور الأمراض المستعصية والأوبئة الفتّاكة:

فالطاعون وكثير من الأمراض الفتاكة خصوصًا المعدية منها كالإيدز وافلونزا الطيور وجنون البقر وغيرها -في كثير من الأحيان- عقاب من الله تعالى بما كسبت أيدي الناس من الآثام والمعاصي.

 

عن الإمام الرضا (عليه السلام): (كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يحتسبون)[11].

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (... لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتى يعلنوها إلا وظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا،...)[12].

فالذنوب أسباب للأمراض والأوجاع لعموم الآية الشريفة: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)[13].

في الحديث عن الصادق (عليه السلام): (أما إنه ليس من عرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب، وذلك قول الله عزّ وجلّ في كتابه: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)، ثمّ قال: وما يعفو الله أكثر ممّا يؤاخذ به)[14].

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما اختلج عرق ولا عثرت قدم إلا بما قدّمت أيديكم، وما يعفو الله عنه أكثر)[15].

كثرة موت الفجأة:

والإحساس بازدياد حالات موت الفجأة -خصوصًا في زماننا الذي كثر فيه ارتكاب المعاصي- يشعر به كل أحد، لكثرة ما يراه الناس ويسمعون به من هذه الحالات، التي تتوزّع على جميع الفئات العمرية وتتركّز في الشباب من غير سابق إنذار، ويختطفهم الموت وهم في عمر الزهور.

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (... لا يأمن البيات من عمل السيئات)[16].

بل إن السيئات أيضًا تعمل على بتر الأعمار وإنقاصها، ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): (من يموت بالذنوب أكثر ممّن يموت بالآجال)[17]، وقد يكون موت الفجأة مظهرا من مظاهر نقص الأعمار وليس شيئًا آخر.

والأخطر في هذا البلاء أنه يُسلَّط على أفراد المجتمع بشكل عام، ولا يقتصر على العصاة، بل يعمّ الجميع كأثر وضعي من آثار كثرة الذنوب وانتشار المعاصي، وقد عُدّ كثرة موت الفجأة من علامات قرب الساعة، وهو وقت تكثر فيه المعاصي وتنتشر.

عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): (من أشراط الساعة أن يفشو الفالج، وموت الفجأة)[18].

3. سلب النعمة:

لقد أنعم الله تعالى على الإنسان نعمًا كثيرة ظاهرة وباطنة، قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)[19].

وقال عزّ من قائل: (... وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً...)[20].

وتعدّ من أكبر نعم الله تعالى على الإنسان، نعمة الإيجاد والعقل ونعمة الإيمان والدين ونعمة الأمان والعافية والرزق ووو... إلى ما لا حصّر لها ولا عد.

والأصل في هذه النعم أن تبقى وتدوم، فإنّ المقتضي لحدوثها -وهو سعة رحمة الله وجوده وعطائه الذي لا نفاد له- يقتضى بقاءها أيضًا، إلا أنّها قد تُسلب وتزول بحدوث المانع، ومن أبرز أسباب منع بقاء النعم المعاصي وعدم المبالاة بارتكاب الذنوب.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (كان أبي (عليه السلام) يقول: إنّ الله قضى قضاءً حتمًا ألا ينعم على العبد بنعمةٍ فيسلبها إياه حتى يحدث العبد ذنبًا يستحق بذلك النقمة)[21].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما زالت نعمةٌ ولا نضارةُ عيشٍ إلا بذنوب اجترحوا، إنّ الله ليس بظلام للعبيد)[22].

4. منع استجابة الدعاء:

كثيراً ما يقف الإنسان المؤمن متحيّرًا تجاه عدم إجابة الدعاء أو تأخّر الإجابة، مع كثرة ما ورد في شأن الدعاء وأثره الكبير والسريع في تغيير الأمور ودفع البلاءات المبرمة، ولكنه يغفل عن جانب آخر في المقام، وهو معوقات إجابة الدعاء وأسباب حبسه، والتي على رأسها، معاصي العباد وذنوبهم.

في دعاء كميل (رضي الله عنه): (اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء).

وعن زين العابدين (عليه السلام): (والذنوب التي ترد الدعاء: سوء النيّة، وخبث السريرة، والنفاق، وترك التصديق بالإجابة، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها، وترك التقرّب إلى الله عزّ وجلّ بالبرّ والصدقة، واستعمال البذاء والفحش في القول)[23].

قال الإمام الباقر (عليه السلام): (إنّ العبد يسأل الله الحاجة، فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب، فيذنب العبد ذنبًا، فيقول الله تبارك وتعالى للملك: لا تقض حاجته وأحرمه إيّاها، فإنّه تعرّض لسخطي واستوجب الحرمان منّي)[24].

5. الفتور واستثقال العبادة:

إنّ إقبال العبد على العبادات من نوافل وأذكار وأدعية وتلاوة وغيرها، يمثل مستوى من مستويات الهداية والتوفيق.

وإذا حلّت الهداية قلبًا           نشطت للعبادة الأعضاء

ونرى أنّ الكثير من الناس يعيشون الحرمان من هذه الهداية، مع علمهم بفضل العبادة وأثرها الإيجابي الكبير في حياة العابد، وما له من منزلة رفيعة عند الله تعالى، فما الذي يثقل عليهم العبادات والطاعات؟ وما الذي يحيل بينهم وبين المواظبة عليها؟

الجواب: إنّ الذنوب والمعاصي هي أكثر الأسباب تأثيراً في إدبار القلب عن العبادة بمعناها الحقيقي، والمانع الأكبر من التنوّر بهذه الهداية.

جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي قد حرمت الصلاة بالليل. فقال (عليه السلام): (أنت رجل قد قيدتك ذنوبك)[25].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ الرجل يذنب الذنب، فيحرم صلاة الليل، وإنّ العمل السيئ أسرع في صاحبه من السكين في اللحم)[26].

بل إنّ المعاصي والإصرار عليها تحول دون إدراك الحقائق الواضحة، وتوسع ما بين العاصي وربّه من مراحل الهجران والبعد، إلى أن تصل إلى مرحلة الكفر والتكذيب بآيات الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: (بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[27].

(ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون)[28].

قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (فإنّ المعاصي تستولي الخذلان على صاحبها حتى توقعه في ردّ ولاية وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودفع نبوة نبي الله، ولا تزال أيضًا بذلك حتى توقعه في دفع توحيد الله والإلحاد في دين الله).

6. الفقر وقطع الرزق:

قال الإمام الباقر (عليه السلام): (إنّ العبد ليذنب الذّنب فيزوي عنه الرزق)[29].

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): (احذروا الذنوب، فإنّ العبد ليذنب فيحبس عنه الرزق)[30].

والفقر كما يقع على الأفراد والأسر، يقع أيضًا على الدول والأقاليم والقارات، فتوصف الدولة أو الإقليم أو القارة بالفقر، وهذا اللون من الفقر أشدّ بلاء وأكثر ضررًا، وتنعكس آثاره سلبًا على مستوى التعليم والرعاية الصحية والتربوية، فضلاً عن الغذاء والسكن.

وفي الوقت الذي تكون كثرة المعاصي والانحرافات من جملة أسباب الفقر، يؤدي الفقر -بعد أن يتمكن من المجتمع- إلى توسيع رقعة الجرائم والانحرافات الأخلاقية والاجتماعية.

ففي الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (كاد الفقر أن يكون كفرًا)[31].

7. تسلّط الظلمة والأشرار:

وهذه نتيجة طبيعية لعاقبة مجتمع تكثر فيه المنكرات والتجاهر بالمحرّمات، ولا تجد من ينهى عنها أو يقف في طريق انتشارها.

وما نراه اليوم وقبل اليوم من تسلّط الظلمة والطغاة على رقاب المسلمين، سببه الأكبر والأهم: البعد عن تعاليم شرع الله تعالى، وارتكاب المنحرفين والأشرار للمعاصي والتجاوزات الشرعية، مع عدم تصدّي الآخرين للقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات.

وهذا يعدّ -في حدّ ذاته- بمنزلة التواطؤ على إخفاء الفضيلة ونشر الرذيلة من الفريقين، فالأشرار يرتكبون، والأخيار يداهنون، وهو يمثّل منزلة من منازل الخروج من ولاية الله تعالى والدخول في ولاية الطاغوت وهيمنته، فيتسلّط الأشرار على الناس، ويدعو الأخيار فلا يستجاب لهم، جزاءً بما كانوا يكسبون.

ففي الرواية عن الإمام الكاظم (عليه السلام): (لتأمرنّ بالمعروف ولتنهن عن المنكر، أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم)[32].

8. سلب الأمان من الأوطان:

قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[33].

عن تفسير القمي: نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له البليان (الثرثار)، وكانت بلادهم خصبة كثيرة الخير، وكانوا يستنجون بالعجين ويقولون هذا ألين، فكفروا بأنعم الله واستخفوا بنعمة الله، فحبس الله عليهم البليان (الثرثار) فجدبوا حتى أحوجهم الله إلى ما كانوا يستنجون به حتى كانوا يتقاسمون عليه[34].

ولا شك أنّ الاستقرار الأمني من أكبر نعم الله تعالى على الشعوب، ولأجله ترصد الميزانيات الضخمة، والأموال الطائلة، إذ مع فقده تتحول القرى والمدن إلى ساحات أشباح، لا أحد من الناس يأمن على ماله وعِرضه ونفسه، ويتوقف المبدعون وأهل الحِرَفِ عن الإنتاج والتطوير.

ولانتشار المعاصي والخطايا دور كبير فيما يعيشه العالم اليوم من الحروب الطاحنة والعمليات الإرهابية المنظمة وغير المنظمة التي تنال الناس قتلاً وسلبًا وخطفًا وتهجيرًا وتنكيلاً، حتى أن الإنسان في بعض البلاد يرى أنّ بطن الأرض خير له من ظهرها، وهذه علامة من علامات آخر الزمان، على ما ورد في الروايات.

9. نزع البركة من الأشياء:

البركة بالحقيقة هي الخير المستقر في الشيء اللازم له، كالبركة في النسل وهي كثرة الأعقاب أو بقاء الذكر بهم خالدًا، والبركة في الطعام أن يُشبَعَ به خلق كثير مثلاً، والبركة في الوقت أن يَسَعَ من العمل ما ليس في سعة مثله أن يسعه[35].

وعن الرضا (عليه السلام): (أوحى الله عزّ وجلّ إلى نبيّ من الأنبياء: إذا أُطعتُ رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية)[36].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (بالعدل تتضاعف البركات)[37].

وعلى العكس من ذلك إذا تجاوز الناس حدود الشرع، وانتشر بينهم الكفر والفسوق والعصيان، فإنّ الأشياء تفقد بركتها وخيرها المودع فيها.

قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[38].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (إذا ظهرت الجنايات ارتفعت البركات)[39].

 


[1]  سورة هود: آية114.

[2]  سورة البقرة: آية 222.

[3]  مستدرك الوسائل: ج11 ص183.

[4] هذا الموضوع بطوله مأخوذ من مقال موجود في الإنترنت للشيخ علي رحمة

[5]  سورة الروم: آية41.

[6]  سورة النجم: آية50-54. 

[7]  سورة الفرقان: آية35-39. 

[8]  سورة العنكبوت: آية40. 

[9]  سورة الأنفال: آية33. 

[10]  ميزان الحكمة: ج1، ص117.

[11]  ميزان الحكمة: ج3، ص995.

[12]  ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للصدوق: ص252.

[13]  سورة الشورى: آية30.

[14]  ميزان الحكمة: ج3، ص995.

[15]  المصدر السابق. 

[16] ميزان الحكمة: ج7، ص1002.

[17] ميزان الحكمة: ج3، ص995.

[18]  المصدر السابق: ج7، ص2977.

[19]  سورة النحل: آية18.

[20]  سورة لقمان: آية20.

[21]  الكافي: ج2، ص273. 

[22]  ميزان الحكمة: ج3، ص994.

[23]  معاني الأخبار: ص271.

[24]  الكافي: ج3، ص273.

[25]  علل الشرائع: ج2، ص51.

[26]  الكافي: ج2، ص272.

[27]  سورة المطففين: آية14.

[28]  سورة الروم: آية11.

[29]  الكافي: ج2، ص270.

[30]  الخصال: ص620.

[31]  ميزان الحكمة: ج6، ص2438.

[32]  ميزان الحكمة: ج5، ص1945. 

[33]  سورة النحل: آية112.

[34]  تفسير نور الثقلين: ج3، ص91.

[35]  تفسير الميزان: ج7، ص281.

[36]  ميزان الحكمة: ج1، ص256.

[37]  المصدر السابق.

[38]  سورة الأعراف: آية96.

[39]  ميزان الحكمة: ج1، ص257.