قسم الفقهاء الذنوب إلى قسمين:
1 ـ الذنوب الكبيرة.
2 ـ الذنوب الصغيرة.
والكبائر هي: ما توعد بها الله النار على فاعلها، أو ما ورد في نص الكتاب النهي عنه، ويعني بوصفه بالكبيرة: إن العقوبة بالنار عظيمة، أو أن تخصيصه بالذكر في القرآن يدل على عظمه، وقد اختلف الفقهاء اختلافا كبيرا في تعدادها وتشخيصها، كما وردت مجموعة من الروايات التي تحدد الكبائر بعدد مختلف سنتعرض لها، وذكر بعض الفقهاء في حكمة هذا الاختلاف: إن الشرع لم يعينها، وأبهمها ليكون العبد على وجل منها، فيجتنبون جميع الذنوب، كما أبهم ليلة القدر ليعظم جِدُّ الناس في طلبها، وواظبوا في ليال متعددة على العبادات، وكما أبهم الاسم الأعظم ليواظبوا على جميع أسماء الله.
ومنشأ التقسيم إلى الكبائر والصغائر من القرآن الكريم والروايات، فمثلاً نقرأ في القرآن الكريم: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً)[1].
وفي آية أخرى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا)[2] .
وقال تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ)[3].
واللَّمَم: ما دون الكبائر من الذنوب، وهو صغار الذنوب، قال الأَخفش: اللَّمَمُ المُقارَبُ من الذنوب[4].
وقال عز وجل: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ)[5].
وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)[6].
ومن خلال هذه الآيات الشريفة يتبين أن الذنوب في الإسلام على نوعين: صغيرة وكبيرة.
وأما الروايات فقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) روايات متعددة تبين لنا تقسيم الذنوب إلى كبيرة وصغيرة.
فالذنوب الكبيرة تطلق على ما جعل الله جزاءها النار والجحيم واجباً وحتمياً.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز وجل: ((إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) قال: الكبائر، التي أوجب الله عز وجل عليها النار)[7].
وجاء في بعض هذه الروايات أن الذنوب الكبيرة سبعة أنواع، فعن ابن محبوب قال: (كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الكبائر كم هي وما هي؟ فكتب: الكبائر: مَن اجتنب ما وعد الله عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا، والسبع الموجبات: قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين وأكل الربا، والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف)[8].
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمدا وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة وكل ما أوجب الله عليه النار)[9].
وعن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكبائر، فقال: هن في كتاب علي (عليه السلام) سبع: الكفر بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وأكل الربا بعد البينة، وأكل مال اليتيم ظلما، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، قال: فقلت: فهذا أكبر المعاصي؟ قال: نعم قلت: فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟
قال: ترك الصلاة، قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟ فقال: أي شيء أول ما قلت لك؟ قال قلت: الكفر، قال: فإن تارك الصلاة كافر)[10].
وفي بعضها أنها تسعة عشر ذنباً، فعن الإمام الجواد (عليه السلام) قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول: دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله (عليه السلام) فلما سلم وجلس تلا هذه الآية: (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ) ثم أمسك، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): ما أسكتك؟ قال: أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله عز وجل، فقال: نعم يا عمرو، أكبر الكبائر الإشراك بالله، يقول الله: (مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)، وبعده الإياس من رَوح الله، لأن الله عز وجل يقول: (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)، ثم الأمن من مكر الله، لأن الله عز وجل يقول: (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)، ومنها عقوق الوالدين، لأن الله سبحانه جعل العاق جبارا شقيا[11]، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، لأن الله عز وجل يقول: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)، وقذف المحصنة، لأن الله عز وجل يقول: (لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، وأكل مال اليتيم، لأن الله عز وجل يقول: (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)، والفرار من الزحف، لأن الله عز وجل يقول: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، وأكل الربا، لأن الله عز وجل يقول: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ)، والسحر، لأن الله عز وجل يقول: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)، والزنا، لأن الله عز وجل يقول: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً)، واليمين الغموس الفاجرة، لأن الله عز وجل يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ)، والغَلول، لأن الله عز وجل يقول: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)، ومنع الزكاة المفروضة، لأن الله عز وجل يقول: (فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ)، وشهادة الزور وكتمان الشهادة، لأن الله عز وجل يقول: (وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)، وشرب الخمر، لأن الله عز وجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان، وترك الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض الله، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: مَن ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونقض العهد وقطيعة الرحم، لأن الله عز وجل يقول: (أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)، قال: فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول: هلك مَن قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم)[12].
[1] سورة النساء: آية31.
[2] سورة الكهف: آية49.
[3] سورة النجم: آية32.
[4] لسان العرب: ج12، ص549.
[5] سورة الشورى: آية37.
[6] سورة النساء: آية48.
[7] الكافي: ج2، ص276.
[8] الكافي: ج2، ص276.
[9] المصدر السابق: ج2، ص277.
[10] الكافي: ج2، ص278.
[11] إشارة لقوله تعالى: (وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً).
[12] الوسائل ج15 ص318، والكافي: ج2، ص285- 287.