إن التأمل في أي تصرف من تصـرفات الإنسان ومراجعته نفسه لما يصدر منه من قول أو فعل، له نتائج إيجابية ويأخذ المتأمل شيئا فشيئا بارتياد الطريق الصحيح والابتعاد عن كل ما هو مهلك أو مؤدي إلى الهلكة.
فإن اللسان من أهم الجوارح لدى الإنسان، بل إن جميع الجوارح تثاب وتعاقب به، فدخول جُلّ أهل النار فيها بسببه، قال علي بن الحسين (عليهما السلام): (إن لسان ابن آدم يشـرف على جميع جوارحه كل صباح فيقول: كيف أصبحتم؟ فيقولون: بخير إن تركتنا، ويقولون: الله الله فينا ويناشدونه ويقولون: إنما نثاب ونعاقب بك)[1].
أو كما يقال: إن خروج الكلمة من الإنسان كخروج الثور من جحر صغير لا يستطيع العودة إليه، فهذا تشبيه بكون الكلمة إذا خرجت وأخذت مجراها في أذهان الناس فمن الصعوبة تداركها أو تصحيحها أو علاجها.
ولهذا فإن أكثر جوارح الإنسان عذابا يوم القيامة هو اللسان، فعن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئا من الجوارح فيقول: أي رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيئا، فيقال له: خرجت منك كلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها، فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها الفرج الحرام، وعزتي وجلالي لأعذبنك بعذاب لا أعذب به شيئا من جوارحك)[2].
إذن على الإنسان أن يتأمل جيدا بما يقول وبما يتلفظ به وعليه أن يجعل نُصب عينيه الجزاء في الدنيا والآخرة، وليعتقد أن كل حكم أو قول أطلقه على إنسان من دون تروٍ أو دليل أو بينة ومن دون ضوابط شرعية، فليستعد للبلاء والابتلاء بمثله أو قريبا منه، فمَن طَرَق باب الناس طُرِق بابه، وسوف ترجع عليه التهمة بمثلها أو أشد منها.
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (... مكتوب في التوراة: أنا الله قاتل القاتلين ومفقر الزانين أيها الناس لا تزنوا فتزني نساؤكم كما تدين تدان)[3].
لذا فالمفروض على كل مؤمن إذا سمع تهمةً أو قدحاً أو جرحاً في أخيه المؤمن أن يبادر لنصـرته ويدافع عنه وينفي الرذيلة عنه، كي نسد الأبواب على المتصيدين والمنافقين والذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
ولينظر الإنسان إلى ما أولته الشريعة من خَلق مجتمع متكافل متآزر يعيش حَسَن الخُلُق وتداول الفضيلة والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى التمزيق والتشتيت لأواصره.
إذن لنتأمل بالروايات والآيات وما فيها من العقوبة والجزاء والوعد والوعيد فنحن في سفر ورحيل من دنيا إلى آخرة تتجسد فيها أعمالنا ويكون فيها البنيان الذي كانت لَبِناته من كَدِّ جوارحنا.