عفة اللسان

ربما يتبادر للقارئ أن القذف يشمل الرمي بالزنا فقط، بينما توجد روايات توسع هذا المفهوم إلى أكثر من ذلك، فعن عباد بن صهيب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: كان علي (عليه السلام) يقول: (إذا قال الرجل للرجل يا معفوج، يا منكوح في دبره، فإن عليه حد القاذف)[1].

لذا نجد أن الإسلام اهتم كثيراً بتربية الإنسان على عفة اللسان وطهارته وإبعاده عن قبيح القول وسيّئ الألفاظ، قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)[2].

 وأحاط اللسان بملكين كريمين يكتبان كل ما ينطق به الإنسان: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[3].

وليس المؤمن بصخاب ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء، كما في بعض الروايات التي تأتي في طيات هذا البحث، لهذا كان غريباً على الحس الإسلامي والذوق الإنساني أن نسمع أن البعض يستبيح النطق بألفاظ فاحشة قبيحة تجري على لسانه وتصبح منسابة بصورة سهلة وسلسة.

كما أنه لا شك أن مِن أخص خصائص المؤمن طهارة لسانه  وانضباطه، ولا يمكن أن يكون المؤمن فاحشاً في كلامه، فالفُحش والبذاءة، والمزاح الرخيص، والكلام الملغوم والتعليقات المستقبحة، والفجور لا يمكن أن تكون في المؤمن، فإن كانت فهناك شك في إيمانه.

روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): (وإن الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، وإن الفحش من البذاء، والبذاء في النار)[4].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء)[5].

وعنه أيضا (صلى الله عليه وآله): (وما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء)[6].

وقال (صلى الله عليه وآله): (المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه)[7].

إن بذاءة اللسان دليل ضعف الإيمان وقلة الدين، وخبث الطوية، ويسبب قلة الأصحاب، وبعد الأهل والأحباب، وإن بذاءة اللسان تؤدي بصاحبها إلى أن يعتذر كثيراً، فقد روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): (إياكم وما يُعتذر منه، فإن المؤمن لا يسيء ولا يعتذر، والمنافق يسيء كل يوم ويعتذر)[8].

ولا ريب في أن من مقاصد رسالة الإسلام تهذيب الأخلاق، وتزكية النفوس، وتنقية المشاعر، ونشـر المحبة والألفة وروح التعاون والإخاء بين المسلمين... قال النبي (صلى الله عليه وآله): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[9].

 وهناك آفة عظيمة انتشـرت بين جميع فئات المجتمع على اختلاف مراحلهم العمرية وطبقاتهم الثقافية.. آفة عظيمة نشأ عليها الصغير، ودرج عليها الكبير، وتساهل بها كثير من الآباء والأبناء، الرجال والنساء، الشباب والفتيات.. آفة عظيمة تولدت منها الأحقاد، وثارت الضغائن، وهاجت بسببها رياح العداوة والبغضاء.. آفة عظيمة تغضب الرب جل وعلا، وتخرج العبد من ديوان الصالحين، وتدخله في زمرة العصاة الفاسقين.. إنها السب واللعن والفحش وبذاءة اللسان.. فتجد الوالد يسب أبناءه ويلعنهم، والأم كذلك تفعل مثله، ولا يدريان أن ذلك من كبائر الذنوب وعظائم الآثام، وتجد الصديق يسب ويلعن صديقه، فيرد عليه بسب أمه وأبيه، حتى الطفل الصغير تجده قد تعود كيل السباب واللعائن للآخرين، وربما فعل ذلك بأبيه وأمه وهما ينظران إليه لا مبالين أحيانا، ومتغاضين أخرى بل فرحين مسرورين في بعضها.. إن الواجب على كل عاقل أن يضبط لسانه دائماً، ولا يعوّده السب واللعن، حتى مع صديقه وأولاده، بل ومع أي شيء من جماد أو حيوان، فإنه لا يأمن إذا سب أحداً من الناس أو لعنه أن يقابله بمثل قوله، أو يزيد عليه فيثور غضبه ويطغى، ويقوده إلى ما لا تُحمد عقباه، وكم من جريمة وقعت كانت بدايتها لعناً وسباباً، وكما قيل: (معظم النار من مستصغر الشرر).

وإذا سب الإنسان أو لعن مسلماً فقد آذاه، والله تعالى يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)[10].

وروي عنه (صلى الله عليه وآله): (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)[11].

والسب في اللغة: الشتم والتكلم في عِرض الإنسان بما يعيبه. والفسق في اللغة: الخروج، والمراد به في الشـرع: الخروج عن الطاعة.. فسب المسلم بغير حق حرام، وفاعله فاسق.

 فهل تصور أولئك الذين يطلقون ألسنتهم سباً وشتماً وانتهاكاً لأعراض المسلمين أنهم يكونون بذلك فُسّاقاً خارجين عن طاعة الله ورسوله؟! ألا فليتق الله أناس تركوا العنان لألسنتهم حتى أوردتهم موارد الهلكة ومراتع الحسـرات، كما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله): (سُباب المسلم كالمشرف على الهلكة)[12].

 


[1] الكافي: ج7، ص208.

[2] سورة البقرة: آية 83.

[3] سورة ق: آية 18.

[4] الكافي: ج1، ص7.

[5] كنز العمال: ج1، ص146.

[6] سنن الترمذي: ج3، ص244.

[7] من لا يحضره الفقيه: ج4، ص362.

[8] تحف العقول: ص248.

[9] مكارم الأخلاق: ص8.

[10] سورة الأحزاب: آية 58.

[11] الكافي: ج2، ص359.

[12] المصدر السابق.