لماذا قيدت الشريعة الشهادة بأربعة شهود

 تقدم أنه من ادعى على شخص ورماه بالفاحشة، ولم يأتِ بأربعة شهود تُعد شهادته قذفا ويقام عليه الحد (ثمانون جلدة ولا تقبل له شهادة إلا بعد التوبة) ولنا أن نسأل لماذا قيدت الشريعة اشتراط إتمام الدعوى وإثباتها بأربعة شهود؟

وللإجابة على هذا السؤال نقول: أكدت الشريعة على عدم شياع الفاحشة في المجتمع الإسلامي وعدم انتشار المفاسد فيه، تحجيما لها كي يتم القضاء عليها وعدم الخوض في مثلها، لما لها من التأثير في تفكك المجتمع والقدح في أعراض الناس وتشويه سمعتهم، وكما عبرت الروايات (فساد الخلق)[1].

ثم أنه من يشيع القذف والقدح في عرض الإنسان يكون مصداقا لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[2].

فنفس شياع الفاحشة في المجتمع الإسلامي تكون أرضية خصبة في انتشار الرذائل والذنوب والموبقات مما يؤدي إلى اعتياد الناس على الفواحش، والابتعاد عن شريعة الله التي أخرج بها الناس من الظلمات إلى النور ومن رذائل الأخلاق إلى محاسنها.

والتأكيد على الشهود الأربع خصوصاً لمثل هذه الذنوب، كي يتحرز الإنسان من رمي التهم جُزافا ومن دون تروٍ وتدقيق، فعليه التأني في ما يدّعي وعدم التعجل بالتقول على الآخرين، فكثيرا ما يحدث من عدم وضوح الرؤيا والاستعجال في الحكم سواء في ذلك الأمر الخطير أم الحقير، فكيف إذا كان رميا بالفاحشة؟ وهو من أشد ما يطعن فيه المرء، ومن أصعب ما يفقده في حياته (سمعته) بل من الأمور التي لا رجوع لها.

وقد عللت بعض الروايات الشهود الأربع في إثبات وقوع الفاحشة نذكر منها:

عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قيل له: لم جُعل في الزنا أربعة من الشهود، وفي القتل شاهدان؟ فقال: (إن الله تعالى أحل لكم المتعة وعلم أنها ستنكر عليكم، فجعل الأربعة الشهود احتياطا لكم، لولا ذلك لأتى عليكم، وقل ما يجتمع أربعة على شهادة بأمر واحد)[3].

وعن محمد بن سنان: إن الرضا (عليه السلام) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: (جعلت شهادة أربعة في الزنا واثنان في سائر الحقوق لشدة حصب المحصن، لأن فيه القتل فجعلت الشهادة فيه مضاعفة مغلظة لما فيه من قتل نفسه وذهاب نسب ولده ولفساد الميراث)[4].

وعن إسماعيل بن حماد عن أبي حنيفة قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أيهما أشد الزنا أم القتل؟ قال: فقال: القتل، قال: فقلت فما بال القتل جاز فيه شاهدان ولا يجوز في الزنا إلا أربعة؟ فقال لي: ما عندكم فيه يا أبا حنيفة، قال: قلت ما عندنا فيه إلا حديث عمر إن الله أخرج في الشهادة كلمتين على العباد قال: قال: ليس كذلك يا أبا حنيفة ولكن الزنا فيه حدان ولا يجوز أن يشهد كل اثنين على واحد لان الرجل والمرأة جميعا عليهما الحد، والقتل إنما يقام الحد على القاتل ويدفع عن المقتول)[5].

 


[1] وسائل الشيعة: ج28، ص174.

[2] سورة النور: آية 19.

[3] علل الشرائع: ج2، ص509.

[4] علل الشرائع: ج2، ص196.

[5] المصدر السابق: ج2، ص510.