شروط التوبة

للتـوبة النصوح باعتبارها الحل الإلهي - بمقتـضى رحمته الواسـعة - لإزالة الذنوب، وضمان عدم المحاسبة عليها يوم القيامة، بل وإزالة آثارها الدنيوية أيضا، شروط لابد من مراعاتها لضمان النتائج المتقدمة، وهذه الشرائط هي:

أولاً: أن يكون صاحبها مخلصاً في توبته لا يريد بها إلا وجه الله، فليس تائباً من يترك المعاصي خوفاً من الناس أو خشية الفضيحة.

ثانياً: أن يكون صادقاً في توبته، فلا يقول: (تبتُ)، بلسانه وقلبه متعلق بالمعصية؛ فتلك توبة الكذابين.

ثالثاً: أن يترك المعصية في الحال.

رابعاً: أن يعزم على أن لا يعود.

خامساً: أن يندم على وقوعه في المخالفة.

سادساً: رد الحقوق إلى أصحابها أو التحلل وطلب العفو منهم.

فالتوبة والاستغفار ليستا مجرد لقلقة لسان، وإنما هي بشرطها وشروطها كما أسلفنا، وقد جاء في رواية أن قائلا قال بحضرة أمير المؤمنين (عليه السلام) أستغفر الله فقال له (عليه السلام): (ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليين، وهو اسم واقع على ستة معان:

أولها: الندم على ما مضى.

والثاني: العزم على ترك العود إليه أبدا.

والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة.

والرابع: أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها.

والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد.

والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول أستغفر الله)[1].

فينبغي على التائب من ذنب قذف المحصنات أن يصلح ما أفسده... قال الله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[2].

فقوله تعالى: (وأَصْلَحُوا)،أي: أعمالهم بالتّدارك والاستمرار على التّوبة والإصرار عليها، وإظهار العمل الصّالح كي تقبل شهادته مستقبلا.

قال العلَّامة في المختلف: البقاء على التّوبة شرط في قبول الشّهادة وهو كاف في إصلاح العمل لصدقه عليه وهو جيّد، وقد وقع مثل هذا اللَّفظ بعد التّوبة في مواضع كثيرة من القرآن المجيد.

(فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ) وهو كالعلَّة للاستثناء، أي: فالتوبة والعمل الصالح علة للاستثناء وقبول الشهادة بعد إعلان التوبة وظهور العمل الصالح.

وقد اختلف في حدّ توبة القاذف فقال بعض علمائنا: حدّها أن يكذب نفسه فيما كان قذف به، وفي كيفية إكذابه نفسه وجهان:

أحدهما: أن يقول: القذف باطل حرام ولا أعود إلى ما قلت. وبه قال ابن أدريس[3].

ثانيهما: التّوبة إكذابه نفسه وحقيقة ذلك أن يقول: كذبت فيما قلت. وهذا أولى وأقرب في معنى الإكذاب.

 


[1] نهج البلاغة: ج4، ص98.

[2] سورة النور: الآية 5.

[3] السرائر: ج2، ص116.