المبادرة إلى التوبة

قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[1].

إذن كل من ادعى فِرية على مؤمنة ولم يأتِ بأربعة شهداء فهذا بالحقيقة قذف يقام الحد على مرتكبه كما تقدم، ولا تقبل له شهادة أبدا، وهذا ظاهر في الآية الكريمة، ثم استثنت الآية الذين تابوا، والتوبة تتحقق بالاعتراف بكون ما ارتكبه ذنباً قبيحاً، وعليه أن يندم على فعله ويعاهد الله على عدم العودة لمثله، فباب التوبة مفتوح لا يُغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، وحينها: (لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)[2].

ويُغلق هذا الباب أيضاً إذا بلغت الروح الحلقوم، قال تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ...)[3].

وقد سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز وجل:  (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ...) فقال:  ذلك إذا عاين أمر الآخرة)[4].

وعنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته، ثم قال: إن السنة لكثيرة من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته، ثم قال إن الشهر لكثير، من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته، ثم قال: إن الجمعة لكثير من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته، ثم قال: إن يوما لكثير من تاب قبل أن يعاين قبل الله توبته)[5].

وفي رواية أُخرى عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)[6].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا بلغت النفس هاهنا - وأشار بيده إلى حلقه - لم يكن للعالم توبة، ثم قرأ: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ))[7].

والله تبارك وتعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فعن زرارة أنه قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن العبد إذا أذنب ذنبا أجل من غدوة إلى الليل فإن استغفر الله لم يكتب عليه)[8].

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يهم العبد بالحسنة فيعملها فإن هو لم يعملها كتب الله له حَسَنة بحُسن نيته، وإن هو عملها كتب الله له عشرا، ويهم بالسيئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء وإن هو عملها أُجِّل سبع ساعات، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال: لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها، فإن الله عز وجل يقول: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ).

أو الاستغفار فإنْ هو قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، العزيز الحكيم، الغفور الرحيم، ذو الجلال والإكرام وأتوب إليه، لم يكتب عليه شيء وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة واستغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات : اكتب على الشقي المحروم)[9].

بل ويفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)[10].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (كل بني آدم خطآء، وخير الخطائين التوابون)[11].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد)[12].

وعن الإمام الباقر (عليه السلام): (إن الله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها، فالله أشد فرحا بتوبة عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها)[13].

فسارع إلى الدخول في رحمة الله، واحذر من تأخير التوبة، فإن الإنسان لا يدري متى ينتهي به العمر.

 


[1] سورة النور: آية 4- 5.

[2] سورة الأنعام: آية 158.

[3] سورة النساء: آية 18.

[4] بحار الأنوار: ج6، ص19.

[5] الكافي: ج2، ص440.

[6] كنز العمال: ج4، ص223.

[7] الكافي: ج1، ص47.

[8] الكافي: ج2، ص437.

[9] الكافي: ج2، ص429- 430.

[10] سورة البقرة: آية 222.

[11] كنز العمال: ج4، ص215.

[12] كنز العمال: ج4، ص205.

[13] الكافي: ج2، ص435.