إن من أعظم المحرمات في الإسلام قذف المحصنات، ومن أكبر الكبائر عند الله: رمي الغافلات المؤمنات بالزنى وارتكاب الفاحشة، ظلما وزورا، لما في ذلك من تلويث سمعة الإنسان البريء، وما فيه من تجريء الناس على المعصية وإشاعة الفاحشة في المجتمع المؤمن.
روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هن؟ قال: الشـرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)[1].
فهو (صلى الله عليه وآله) اعتبر رمي المحصنات الغافلات المؤمنات: من (الموبقات السبع) التي حذر الأمة منها، و(الموبقات) أي المهلكات، فهي مهلكات للفرد، ومهلكات للجماعة، مهلكات في الدنيا، ومهلكات في الآخرة.
كذلك روي عنه (صلى الله عليه وآله): (إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ)[2].
وعن مسمع بن عبد الملك، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الزاني أشد ضربا من شارب الخمر، وشارب الخمر أشد ضربا من القاذف، والقاذف أشد ضربا من التعزير[3])[4].
وعن أحمد بن عمر الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) قال: (مَن اجتنب ما أوعد الله عليه النار إذا كان مؤمنا، كَفّر عنه سيئاته وأدخله مدخلا كريما، والكبائر السبع الموجبات: قتل النفس الحرام، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف)[5].
وروى الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد: خطبة يوم الفطر لأمير المؤمنين :(عليه السلام) ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) لا نشرك بالله شيئا، ولا نتخذ من دونه وليا... إلى أن قال (عليه السلام): وأطيعوه في اجتناب قذف المحصنات)[6].
وفيما ورد من خطبة الزهراء (عليها السلام): (... واجتناب قذف المحصنات حجبا عن اللعنة..)[7].
بل أكثر من ذلك نجد أن الإسلام منع من قذف غير المسلم كما في رواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه نهى عن قذف مَن ليس على دين الإسلام إلا أن يطَّلِع على ذلك منهم، وقال: (أيسر ما يكون أن يكون قد كذب)[8].
وعن عمرو بن النعمان الجعفي قال: (كان لأبي عبد اللَّه (عليه السلام) صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكانا، فبينا هو يمشي معه في الحذائين ومعه غلام له سندي يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره فلما نظره في الرابعة قال: يا بن الفاعلة أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد اللَّه (عليه السلام) يده فصك بها جبهة نفسه، ثم قال: سبحان اللَّه تقذف أمّه؟! قد كنت أريتني أنّ لك ورعا فإذا ليس لك ورع، فقال: جُعلت فداك إن أمه سندية مشركة، فقال: أما علمتُ أن لكل أمة نكاحا، تنحَ عني، قال: فما رأيته يمشي معه حتى فرق بينهما الموت)[9].
وعن أبي الحسن الحذاء، قال: (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسألني رجل ما فعل غريمك؟ قلت: ذاك ابن الفاعلة، فنظر إليّ أبو عبد الله (عليه السلام) نظراً شديداً، قال: فقُلت: جُعلت فداك، إنه مجوسي أمه أخته، فقال: أوليس ذلك في دينهم نكاحا؟!)[10].
[1] وسائل الشيعة: ج11، ص261.
[2] كنز العمال: ج3، ص592.
[3] أي: مستوجب التعزير، والتعزير: العقوبة التي لم يثبت لموجبها مقدار في الشـريعة، بل أمرها موكول للحاكم الشرعي، فهو يحدد مقدار العقوبة.
[4] الكافي: ج7، ص214.
[5] وسائل الشيعة: ج15، ص329.
[6] مصباح المتهجد: ص659- 662.
[7] علل الشرائع: ج1، ص248.
[8] الكافي: ج7، ص239.
[9] المصدر السابق: ج2، ص324.
[10] الكافي: ج7، ص240.