الوصية زبدة الأفكار وخلاصة الآراء، تتجمّع في وجدان الإنسان بعد تجارب عديدة في الحياة، وعندما يثقل وزنها تنطلق من صدور أصحابها غنية بمادّتها، مصيبة في أهدافها لأنّها صادرة من عقل راجح، وفكر طامح، وشعور عميق، وفكر دقيق.
وقد أثر عن حفيد النبوّة الإمام الباقر (عليه السلام) وصايا كثيرة، وجّه بعضها لأبنائه، وبعضها الآخر لأصحابه، وهي تزخر بآداب السلوك، وتفيض بالقيم العظيمة، والمثل العليا الكريمة، قالها (عليه السلام) من أجل التوجيه الصالح الذي يصون الإنسان من الانحراف، والإرشاد الصحيح الذي يحفظ الأمّة من الانزلاق في المتاهات المظلمة، والمنعطفات الخطرة.
من هذه الوصايا الخالدة نذكر: وصيته لولده الإمام الصادق (عليهما السلام): قال (عليه السلام):
(يا بني إنّ الله خبّأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبّأ رضاه في طاعته، فلا تحقرن من الطاعة شيئاً فلعل رضاءه فيه، وخبّأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئاً فلعل سخطه فيه، وخبّأ أولياءه في خلقه فلا تحقرن أحداً فلعله ذلك الولي)[1].
يرشح من هذه الوصية الأخلاق العالية، والترغيب في طاعة الله تعالى والحث عليها، كما تتضمّن التحذير من المعصية، والتشديد في أمرها، وأنهاها بالحث على تكريم عباد الله وعدم الاستهانة بأي أحد منهم.
ثمّ روى الإمام الصادق (عليه السلام) إحدى وصايا أبيه إلى سفيان الثوري، فقال له: (يا سفيان أمرني أبي بثلاث، ونهاني عن ثلاث، فكان فيما قال لي: يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم، ومن لا يملك لسانه يندم، ثمّ أنشدني:
عوّد لسانك قول الخير تحظ به إنّ اللسـان لمـا عوّدت يعتـاد
موكل بتقاضـي ما سـننت له في الخير والشر فانظر كيف تعتاد)[2].
فتأمّل هذه الوصايا التي تفيض الحكم الرائعة، وتحفل بجميع مقوّمات الآداب السلوكية، والآداب الأخلاقية، والفضائل الإنسانية.