ويجدر بالذي يريد أن يُحقق حضور القلب في الصلاة أن يبتعد عن مكائد الشيطان، ويجتنب موانع قبول الصلاة، والتي من جملتها: العُجُب، وهو أن يرى الإنسان عمله كبيرا وحسنا ويرى نفسه مستحقا للإكرام والمقام.
عدم أداء الزكاة والحقوق الواجبة، وهكذا الحسد والغرور والتكبر والغيبة وأكل الحرام، وشرب المسكرات، وللنساء خاصة النشوز، وهو: عدم إطاعة زوجها، فهذه موانع كبيرة عن قبول الصلاة، بل إن مقتضى قوله تعالى:
(إنما يَتقبَّلُ اللهُ مِن َالمُتقين)[1]. أن صلاة الفاسق والعاصي غير مقبولة، فجدير بالإنسان أن يجتنب كل ما يُقلّل أجر الصلاة وثوابها، فلا يصلي في حال الكسل والتثاقل لغلبة النوم أو الغفلة، ولا يصلي مستعجلا، ولا في حال مدافعة البول والغائظ والريح، ولا يشغل بصره بالنظر للسماء أو إلى مكان آخر، بل يحاول تحصيل الخشوع ولو بإغلاق عينيه، وأن يجتنب كل ما ينافي الخشوع، ويجدر به أن يمارس ما يرفع درجته، ويزيد أجره، مثل استعمال العطر، ولبس الثياب النظيفة، والتختم بالعقيق، وتعديل الشعر، والاستياك وغير ذلك من مستحبات وآداب الصلاة.
تأويل الصلاة:
1- عن جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ الأَنصاريّ: كُنتُ مَعَ مولانا أميرِ المُؤمِنينَ (عليه السلام) فَرأى رَجُلاً قائمًا يُصَلّي فَقالَ لَهُ: يا هذا، أتَعرِفُ تَأويلَ الصَّلاةِ؟ فَقالَ: يا مَولايَ، وهَل لِلصَّلاةِ تَأويلٌ غَيرَ العِبادَةِ؟ فَقالَ: إي والَّذي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالنُّبُوَّةِ، وما بَعَثَ اللهُ نَبيَّهُ بِأَمر مِنَ الأُمورِ إلاّ ولَهُ تَشابُهٌ وتَأويلٌ وتَنزيلٌ، وكُلُّ ذلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّعَبُّدِ، فَقالَ لَهُ: عَلِّمني ما هُوَ يا مَولايَ؟ فَقالَ (عليه السلام): تأويلُ تَكبيرَتِكَ الاُولى إلى إحرامِكَ أن تُخطِرَ في نَفسِكَ إذا قُلتَ: اللهُ أكبَرُ مِن أن يوصَفَ بِقيام أو قُعود، وفِي الثّانيَةِ: أن يوصَفَ بِحَرَكَة أو جُمود، وفِي الثّالِثَةِ: أن يوصَفَ بِجِسم أو يُشَبَّهَ بِشَبَه أو يُقاسَ بِقياس، وتُخطِرَ فِي الرّابِعَةِ: أن تَحِلَّهُ الأَعراضُ أو تؤلمه الأَمراضُ، وتُخطِرَ فِي الخامِسَةِ: أن يوصَفَ بِجَوهَر أو بِعَرَض أو يَحِلَّ شَيئًا أو يَحِلَّ فيهِ شَيءٌ، وتُخطِرَ فِي السّادِسَةِ: أن يَجوزَ عَلَيهِ ما يَجوز عَلَى المُحدَثينَ مِنَ الزَّوالِ والاِنتِقالِ والتَّغَيُّرِ مِن حال إلى حال، وتُخطِرَ في السّابِعَةِ: أن تَحِلَّهُ الحَواسُّ الخَمسُ.
ثُمَّ تَأويلُ مَدِّ عُنُقِكَ فِي الرُّكوعِ تُخطِرُ في نَفسِكَ: آمَنتُ بِكَ ولَو ضُرِبَت عُنُقي.
ثُمَّ تَأويلُ رَفِع رَأسِكَ مِنَ الرُّكوعِ إذا قُلتَ «سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَهُ، الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ» تَأويلُهُ: الَّذي أخرَجَني مِنَ العَدَمِ إلَى الوُجودِ.
وتَأويلُ السَّجدَةِ الاُولى أن تُخطِرَ في نَفسِكَ وأنتَ ساجِدٌ: مِنها خَلَقتَني، ورَفعُ رَأسِكَ تَأويلُهُ: ومِنها أخرَجتَني، والسَّجدَةُ الثّانيَةُ: وفيها تُعيدُني، ورَفعُ رَأسِكَ تُخطِرُ بِقَلبِكَ: ومِنها تُخرِجُني تارَةً اُخرى.
وتَأويلُ قُعودِكَ عَلى جانِبِكَ الأَيسَرِ ورَفِع رِجلِكَ اليُمنى وطَرحِكَ عَلَى اليُسرى تُخطِرُ بِقَلبِكَ: اللّهُمَّ إنّي أقَمتُ الحَقَّ وأمَتُّ الباطِلَ.
وتَأويلُ تَشَهُّدِكَ: تَجديدُ الإِيمانِ ومُعاوَدَةُ الإِسلامِ والإِقرارُ بِالبَعثِ بَعدَ المَوتِ.
وتَأويلُ قِراءَةِ التَّحيّاتِ: تَمجيدُ الرَّبِّ سُبحانَهُ، وتَعظيمُهُ عَمّا قالَ الظّالِمونَ ونَعَتَهُ المُلحِدونَ.
وتَأويلُ قَولِكَ «السَّلامُ عَلَيكُم ورَحمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ» تَرَحُّمٌ عَنِ اللهِ سُبحانَهُ، فَمَعناها: هذِهِ أمانٌ لَكُم مِن عَذابِ يَومِ القيامَةِ. ثُمَّ قالَ أميرُ المُؤمِنينَ (عليه السلام): مَن لَم يَعلَم تأويلَ صَلاتِهِ هكَذا فَهيَ خِداجٌ[2])[3].
2- قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): (وحق الصلاة ان تعلم أنها وفادة إلى الله عز وجل، وأنت فيها قائم بين يدي الله فإذا علمت ذلك قمت مقام العبد الذليل الحقير الراغب الراهب، الراجي الخائف المستكين المتضرع، المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار، وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها)[4].
3- قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا استقبلت القبلة فانس الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك عن كل شاغل يشغلك عن الله، وعاين بسرك عظمة الله، واذكر وقوفك بين يديه يوم تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق، وقف على قدم الخوف والرجاء.
فإذا كبّرت فاستصغر ما بين السماوات العلى والثرى دون كبريائه، فإن الله تعالى إذا اطلع على قلب العبد وهو يكبر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره قال: يا كاذب أتخدعني؟ وعزتي وجلالي لأحرمنّك حلاوة ذكري، ولأحجبنّك عن قُربي والمسارّة بمناجاتي، واعلم أنه غير محتاج إلى خدمتك، وهو غني عن عبادتك ودعائك، وإنما دعاك بفضله ليرحمك ويبعدك من عقوبته)[5].