معنى إقبال القلب أن يتوجه ويلتفت لما يقول وما يعمل، ويتذكر عظمة الله، وأنه ليس كسائر المخاطَبين، ويتحقق في قلبه هيبةٌ وخوفٌ من عظمته تعالى وشعور بالتقصير في حق العبودية، وتملكه حالة الحياء والخجل نتيجة التقصير والأخطاء، ويكون مؤمّلا عفوه وصفحه، لما يعرف من سعة رحمته وفضله وكرمه اللامتناهي، والخلاصة أن تكون لديه حالة الخوف والرجاء.
وحضور القلب له درجات ومراتب، أعلاها ما يكون عند الأنبياء والأوصياء، كما كان عند أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى كانت السهام تُخرج من بدنه وهو لا يشعر، ففي معركة صفين أُصيب (عليه السلام) بسهم في فخذه وكلّما حاولوا إخراجه منه ما استطاعوا لشدة أذاه، فسألوا الإمام الحسين (عليه السلام)، فقال: اصبروا حتى يدخل صلاته، فلما صلى (عليه السلام) أخرجوه منه، فلما أنهى (عليه السلام) صلاته انتبه إلى دم يجري من رجله المباركة، فسأل فقالوا أخرجنا السهم حال الصلاة.
وفي الحديث عن عبّاد بن بشر قال: (إن النبي (صلى الله عليه وآله) قصد قوما من أهل الكتاب قبل دخولهم في الذمة فظفر منهم بامرأة جديدة العرس بزوجها، وعاد من سفره فبات في طريقه، وأشار إلى عمار بن ياسر وعباد بن بشر أن يحرساها، فاقتسما الليل، فكان لعباد بن بشر النصف الأول ولعمار بن ياسر النصف الثاني، ونام عمار بن ياسر وقام عباد بن بشر يصلى وقد تبعهم اليهودي يطلب امرأته ويغتنم إهمالهما من التحفّظ فيفتك بالنبي (صلى الله عليه وآله)، فنظر اليهودي إلى عباد بن بشر يصلي في موضع العبور فلم يعلم في ظلام الليل هل هو شجرة أو أكمه أو دابة أو إنسان فرماه بسهم فأثبته فيه فلم يقطع عباد بن بشر الصلاة فرماه بآخر فأثبته فيه فلم يقطع الصلاة فرماه بآخر فخفف الصلاة وأيقظ عمار بن ياسر فرأى السهم في جسده فعاتبه وقال هلا أيقظتني في أول سهم؟ فقال: كنت بدأت بسورة الكهف فكرهت أن أقطعها ولولا خوفي أن يأتي العدو على نفسي ويصل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأكون قد ضيّعت ثغرا من ثغور المسلمين ما خففت من صلاتي ولو أتي على نفسي فدفعا العدو عما أراده)[1].
وجدير بالمصلي أن يكون في حالة الخضوع والوقار والسكينة ومتى دخل الصلاة يصليها كأنها آخر صلاة له في عمره ويودعها، ويتوب ويستغفر من جديد، ويكون صادقا في قوله، حين يقول مثلا (إياك نعبد وإياك نستعين).