مراتب ترك الصلاة

1- ترك الصلاة من باب الإنكار لوجوبها، أي أنه لا يراها واجبة من عند الله، ولا يرى لزوم الإتيان بها، وقد تقدم أن منكر الضروري كافر، وقد يرجع ذلك إلى إنكار الله، أو رسالة خاتم الأنبياء، والقرآن المجيد، فإن مثل هذا الشخص مصيره العذاب الأبدي ولا خلاص له منه.

2- ترك الصلاة لا من جهة الإنكار بل للإهمال وقلة الاعتناء بأمور الآخرة، والاشتغال بالشهوات والأمور الدنيوية، فيكون تركه للصلاة استخفافاً بها وبالدين وهو ينسحب أيضاً إلى الاستخفاف بالله تعالى، لأن من يستخف بأوامر المولى يعني ذلك عند العقلاء استخفافاً بنفس المولى، لأن قيمة أوامر المولى من نفس مولويته وحقه في الطاعة، فإذا عصى العبد مولاه فهو مستخف به حقيقة، ولذا ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا تنظروا إلى صغر الذنب ولكن انظروا إلى من اجترأتم)[1].

وهذا القسم وإن كان الأصل فيه حاله حال باقي الذنوب - أن يكون مرتكبه يعد فاسقاً إلا أن ورود الروايات الكثيرة والتي تقدم قسم منها على أن تارك الصلاة يعد كافراً يخصص هذا القسم بهذا الحكم، وقد ورد أيضاً - كما تقدم - في الرواية عن الإمام الصادق[2] أن النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) إنما عدّوا تارك الصلاة كافراً لسبب خاص به يميزه عن مرتكب غيره من الذنوب وبهذا نرفع اليد عن عموم تسمية تارك الذنب عاصياً وفاسقاً في المقام ويختص هذا النوع من الذنوب بصفة الكفر والخروج عن الإسلام.

وبعد ذلك يكون الفرق بين القسم الأول والثاني مع أن كلاً منهما يعد صاحبه كافراً، هو أن الأول كافر من باب إنكار الرسالة أو الضروري منها، فهو كافر على القاعدة، وأما هنا فليس من باب الإنكار بل من باب الاستخفاف بالله تعالى وهو خروج عن مراسيم العبودية أيضاً فيعد كافرا.

ويمكن أن يقال بعبارة أوضح وأخصر: أن الأول كافر اعتقاداً والثاني كافر عملاً، أو يقال: إن الأول كافر حقيقة والثاني كافر حكماً.

ومصير الشخص من القسم الثاني أنه ملحق بالكافر في العقوبة، فيخلّد في النار إذا لم يتدارك ذلك بالتوبة في الحياة، وهذا هو مؤدى الحديث المتقدم: إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها، فتارك الصلاة يوم القيامة يكون حالهُ حال من لا عمل له أصلاً، فلا يدخل الجنة ويكون فمن حبط عمله ولم يبق له أثر، ولا مجال أيضاً لشفاعة أهل البيت (عليهم السلام) لأنه ورد عنهم (عليهم السلام) كما تقدم: أن شفاعتهم لا تنال مستخفا بصلاته، اللهم إلا أن يقال: يحتمل فقط شمول شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله) له، إذ يشمله قوله (صلى الله عليه وآله): (إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)[3]، فليتأمل.

3- ترك الصلاة أحيانا وليس دائما، نتيجة لضعف إيمانه وقلة مبالاته بأمور الآخرة فهو يصلي أحيانا ويترك أحيانا، أو نتيجة عدم اهتمامه بأوقات الصلاة، وهذا القسم رغم أنه يختلف عن القسمين السابقين إلا أن مثل هذا الشخص هو من المستخفين بالصلاة المضيعين لها ويشمله ما ورد من الروايات في هذا العنوان.

وكذلك تشمله روايات أخرى بعنوان المؤخر للصلاة، ومن جملة ذلك ما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (من صلى الصلاة لغير وقتها رفعت له سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني)[4]. وأيضا قال (صلى الله عليه وآله): (لا ينال شفاعتي غدا من أَخَّرَ الصلاة المفروضة بعد وقتها)[5]، وقال (صلى الله عليه وآله): (لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم ذَعِرا منه ما صلى الصلوات الخمس لوقتهن، فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم)[6]، وورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: (هذه الفريضة مَن صلاها لوقتها عارفا بحقها لا يؤثر عليها غيرها كتب الله له براءة لا يعذبه، ومَن صلاها لغير وقتها مؤثرا عليها غيرها، فإن ذلك إليه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه)[7].

 فالروايات الواردة في لزوم المواظبة على أداء الصلاة في أول وقتها عديدة، وكثيرا ما وردت التوصية بذلك، وبعدم تأخيرها من دون عذر عن أول وقتها، وأئمتنا (عليهم السلام) لم يتركوا أداء الصلاة في أول وقتها حتى في أشد الحالات، كما ورد في عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان في حرب صفين مشتغلا بالحرب والقتال بين الصفين، وهو مع ذلك يرقب الشمس، فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين ما هذا الفعل؟ فقال: (عليه السلام) أنظر إلى الزوال حتى نصلي، فقال له ابن عباس: وهل هذا وقت صلاة، إن عندنا لشغلا بالقتال عن الصلاة، فقال (عليه السلام): على مَ نقاتلهم؟ إنما نقاتلهم على الصلاة)[8].

4- ترك بعض واجبات الصلاة فهو يؤدي الصلاة لكن لا على وجهها الصحيح ومن دون مراعاة شروطها، ولا يعتني بذلك، مثل مَن يصلي في لباس أو مكان مغصوب أو يصلي مع النجاسة، أو من دون قراءة، أو من دون ذكر واجب، أو يقرأ خطأ، من دون أن يتصدى لتصحيح قراءته أو يقرأ ويذكر لكن مع فقد الاستقرار، فمِن الواضح أن مثل هذا الشخص هو مِن مضيعي الصلاة والمستخفين بها ويشمله ما ورد من الروايات في ذلك، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده، فقال (صلى الله عليه وآله) نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني)[9].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (أسرقُ السرّاق من سرق من صلاته) قيل: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف يسرق من صلاته، قال(صلى الله عليه وآله): (لا يتم ركوعها وسجودها)[10].

وقال(صلى الله عليه وآله): (بنيت الصلاة على أربعة أسهم: سهم منها إسباغ الوضوء، وسهم منها الركوع، وسهم منها السجود، وسهم منها الخشوع، فقيل: يا رسول الله، وما الخشوع؟ قال (صلى الله عليه وآله): التواضع في الصلاة، وأن يُقبل العبد بقلبه كله على ربه، فإذا هو أتم ركوعها وسجودها وأتم سهامها صعدت إلى السماء لها نور يتلألئ، وفتحت أبواب السماء لها، وتقول: حافظت عَليَّ حفظك الله، فتقول الملائكة: صلى الله على صاحب هذه الصلاة، وإذا لم يتم سهامها صعدت ولها ظلمة، وغلقت أبواب السماء دونها، وتقول: ضيعتني ضيعك الله، ويضرب الله بها وجهه)[11].

 وقال (صلى الله عليه وآله) أيضا: (لكل شيء وجه ووجه دينكم الصلاة فلا يشينن أحدكم وجه دينه)[12]. والروايات في هذا الباب عديدة، ومن أجل التدليل على أن مَن يترك جزءاً واجبا من أجزاء الصلاة عمدا هو كتارك الصلاة نكتفي بهذا المقدار.

 


[1] بحار الأنوار: ج74، ص168.

[2] صفحة (16) تحت عنوان ترك الصلاة عمداً من الاستخفاف بالدين.

[3] وسائل الشيعة: ج15، ص334.

[4] ثواب الأعمال: ص229.

[5] وسائل الشيعة: ج4، ص111.

[6] أمالي الصدوق: ص572.

[7] وسائل الشيعة: ج4، ص114.

[8] إرشاد القلوب: ص10.

[9] وسائل الشيعة: ج4، ص32.

[10] مستدرك الوسائل: ج3، ص37.

[11] بحار الأنوار: ج81، ص265.

[12] الكافي: ج3، ص270.