الاستفتاءات

وفق فتاوى سماحة آية الله العظمى

السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف)

السؤال: ما هو تعريفكم لعقوق الوالدين؟

الجواب: عقوق الوالدين وهو الإساءة إليهما بأي وجه يعدّ تنكراً لجميلهما على الولد، كما يحرم مخالفتهما فيما يوجب تأذيهما الناشىء من شفقتهما عليه.

السؤال: نرجو من سماحتكم نصيحة الأبناء حول موضوع عقوق الوالدين ببيان بعض الآيات والروايات التي ذكرت ذلك؟

الجواب: أشد أنواع قطيعة الرحم عقوق الوالدين اللذين أوصى الله عزّ وجلّ ببرّهما والإحسان إليهما، قال عزّ من قائل في كتابه الكريم: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً )[1].

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (أدنى العقوق أف، ولو علم الله عز وجلَّ شيئا أهون منه لنهى عنه)[2].

وقال الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): (إنّ أبي (عليه السلام) نظر إلى رجل ومعه ابنه يمشي والابن متكىء على ذراع الأب، قال: فما كلّمه أبي (عليه السلام) مقتا حتى فارق الدنيا)[3].

وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (من نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له لم يقبل الله له صلاة)[4]، وغير هذه الأحاديث كثير، كثير، وفي مقابل ذلك (برُ الوالدين) فهو من أفضل القربات لله تعالى، قال عزَّ من قائل في كتابه الكريم: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً[5] ).

وروى إبراهيم بن شعيب قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إنَّ أبي قد كبر جدا وضعف فنحن نحمله إذا أراد الحاجة، فقال: إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ولقِّمه بيدك فإنَّه جُنة لك غدا)[6].

وقد ورد في الأحاديث الشريفة التأكيد على صلة الأم قبل الأب، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (جاء رجل إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله مَنْ أبَّرُ؟ قال أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أمك، قال: ثم مَن؟ قال أمك، قال: ثم مَن؟ قال: أباك)[7].

السؤال: ما هي حدود طاعة الأب والأم ؟

الجواب: الواجب على الولد تجاه أبويه أمران:

الأول: الإحسان إليهما بالإنفاق عليهما إن كانا محتاجين، وتأمين حوائجهما المعيشية، وتلبية طلباتهما فيما يرجع إلى شؤون حياتهما في حدود المتعارف والمعمول، حسبما تقتضيه الفطرة السليمة، ويعدّ تركها تنكراً لجميلهما عليه، وهو أمر يختلف سعة وضيقاً بحسب اختلاف حالهما من القوة والضعف.

الثاني: مصاحبتهما بالمعروف، بعدم الإساءة إليهما قولاً أو فعلاً وإن كانا ظالمين له، وفي النص: (وإن ضرباك فلا تنهرهما وقل: غفر الله لكما)، هذا فيما يرجع إلى شؤونهما.

وأما فيما يرجع إلى شؤون الولد نفسه، مما يترتب عليه تأذّي أبويه فهو على قسمين:

١- أن يكون تأذّيهما ناشئاً من شفقتهما على ولدهما، فيحرم التصرّف المؤدّي إليه سواء نهياه عنه أم لا.

٢- أن يكون تأذّيهما ناشئاً من اتصافهما ببعض الخصال الذميمة، كعدم حبّهما الخير لولدهما دنيوياً كان أم أخروياً فمثال الدنيوي، كأن يكرهان له الوظيفة المرموقة أو المال الكثير أو السفر للنزهة والإستجمام مع عائلته، ومثال الأخروي، كأن يكرهان له الإتصاف بصفات الخير من الصلاح والتقوى وعمل البر للناس وإصلاح ذات البين والحج وزيارة المراقد لا من جهة الإشفاق المتقدم، ولا أثر لتأذّي الوالدين إذا كان من هذا القبيل، ولا يجب على الولد التسليم لرغباتهما من هذا النوع، وبذلك يظهر أن إطاعة الوالدين في أوامرهما ونواهيهما الشخصية غير واجبة في حد ذاتها.

السؤال: ما مدی إطاعة الولد لوالدیه، فقد ینهی أحد الوالدین ولدهما عن بعض المستحبات أو المباحات خصوصاً فیما یتعلق بشؤون الولد الخاصة به، كالعمل والقیام ببعض الأمور العرفیة والاجتماعیة والتي یراها العرف أنها راجحة أو طبیعیة ومن دون أن یلحق الولد ضرر منها، وبعبارة ثانیة: ما هو الضابط لإطاعة الولد لوالدیه؟

الجواب: یجب مصاحبتهما بالمعروف وعدم إيذائهما ولا یجب إطاعتهما علی حد طاعة العبد لسیده، فلو كانت مخالفة الأمر أو النهي الصادر من أحدهما بما یرتبط بالشؤون الخاصة للولد، موجبة لتأذیهما الناشيء عن شفقتهما علیه لم تجز المخالفة، وإلا فلا باس بها وإن كان الأولی ترك مخالفتهما مهما أمكن.

السؤال: لي أخ یبلغ من العمر ٢٩ عاماً وهو مازال یدرس وقد خطب حدیثا (قطع المهر) مشكلتي أن أخي لا یعامل أمه كما یرضى الله، فهو یسمعها من الكلام ما یُغضِب الله بدون أي سبب، مع العلم أنها لم تؤذه قید شعرة، بالعكس إن لها الكثیر من الفضل في دراسته وزواجه، وأبي لا حیلة له معه غیر النصیحة ومحاولة صده عن إيذاء أمه وأخيه الصغیر دون جدوی، وأنا اطلب مشورتكم في ما أفعل لأني لا أملك غیر الدعاء وخوفي علی أمي وأبي ؟

الجواب: لا نعلم ملابسات القضیة ولكن علی العموم: فإنه یجب علی الأولاد مراعاة المعاشرة بالمعروف مع الوالدین، فإن حقهما من آكد الحقوق بشهادة الضمیر الإنساني والفطرة السلیمة، وقد أكد علیها الله تعالی حیث ذكر الإحسان إلى الوالدین بعد عبادته تعالی، فقال عز من قائل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)[8]، وأثبت حقهما حتی وإن كانا كافرین رغم عظم هذه المعصیة، وإن للمعاشرة الحسنة مع الوالدین بركات وآثاراً في الدنیا والآخرة من حیث یحتسب المرء ومن حیث لا یحتسب، كما إن للمعاشرة السیئة آثاراً سلبیة في الدنيا والآخرة، فعلی المرء أن یُحسن إليهما ویحذر عقوقهما، نسأل الله التوفیق والتسدید.

السؤال: هل هناك شروط خاصة تحیط بعمل المرأة؟

الجواب: الشرط الأساس هو أن لا یتناف العمل مع تكالیفها الدینیة، ومنها الستر والحجاب، ومنها عدم الحضور في المكان الذي لا تأمن علی نفسها فیه من الوقوع في المعصیة، ومنها رعایة حقوق الزوج إذا كانت متزوجة، ومنها رعایة حقوق الوالدین إذا كانا حیّین.

السؤال: هل يجوز الإتيان بالعبادة كالصلاة والصوم والحج وقراءة القرآن وإهداء ثوابها للوالدين وإن لم يكونا مسلمين؟

الجواب: لا يحرم إهداء ثوابها إليهما برجاء تخفيف العذاب عنهما.

السؤال: ما حكم البنت إذا طلب والدها منها لبس (البوشية) مع العلم بأنّ البنت تقلد مَنْ لا يرى إشكال في إظهار الوجه أمام الأجنبي؟

الجواب: لا يجوز مخالفة الأب إذا كانت موجبة لتأذيه الناشيء من شفقته عليها.

السؤال: شخص يدور أمره بين إرضاء أهله وبين إرضاء زوجته، فهل يطلق زوجته إرضاءً لأهله ، أو يعمل العكس؟

الجواب: يأخذ بما يراه أصلح لدينه ودنياه ، ويراعي جانب العدل والإنصاف ، ويجتنب الظلم وإضاعة الحقوق.

السؤال: إذا اطمأن المسلم بعدم رضا والده قلبا عن سفره للخارج، من دون أن يسمع المنع من لسان أبيه، فهل يجوز له السفر إذا كان الابن يرى مصلحته في ذلك؟

الجواب: إذا كان الإحسان إلى الوالد - بالحدود المشار إليها سابقاً- يقتضي أن يكون بالقرب منه، أو كان يتأذى بسفره شفقة عليه، لزمه ترك السفر ما لم يتضرر بسببه، وإلاّ لم يلزمه ذلك.

السؤال: هل يجوز للفتاة الغير متزوجة أن تقص شعرها دون رضا أحد الوالدين أو کليهما؟

الجواب: لا يجوز مخالفتهما إذا کان موجباً لتاذيهما الناشي من شفقهما عليها.

السؤال: لو أمر الأب ولده أن یطلق زوجته، فهل يجب على الإبن أن یطیعه في ذلك ـ كون رضا الله من رضا الوالدین ـ أم لا؟

الجواب: لا تجب إطاعته في مثل ذلك، وإنما تجب معاشرته بإحسان والاجتناب عما یوجب تأذیه الناشيء من شفقته علیه.

السؤال: ما حكم من كان یرید السفر إلی خارج البلد للدراسة أو العمل أو لغیرهما من الأغراض، وكان أحد أبويه لا یرضی بسَفَره، فهل یجوز له مخالفته في ذلك؟

الجواب: إذا كان عدم رضاه بذلك من جهة حاجته إلی وجوده بالقرب منه، لیوفر له النفقة الواجبة أو یباشر رعایته لكونه مریضاً أو كبیراً في السن ولا یوجد من یقوم بذلك غیره، أو كان عدم رضاه من جهة تأذّيه بفراقه مع عدم تضرر الولد بترك السفر، أو كان عدم رضاه ناشئاً من خوفه علیه من المخاطر التي تحفُّ به في الطریق أو في الإقامة في الخارج لم یجز للولد مخالفته في أي من هذه الموارد، وأما إذا كان عدم رضاه بسَفَره من جهة رغبته في أن یبقی مساعداً له في عمله ونحو ذلك مما یرجع إلی مصلحة نفسه، ومما لا يجب على الولد توفیره له فلا مانع من مخالفته.

السؤال: ما حكم ولد رفع يده على أبيه؟

الجواب: فعل حراماً وعليه التوبة وتحصيل رضا الأب مع الإمکان .

السؤال: بالنسبة إلی طلب العلم هل هو واجب أم مستحب، وهل یجوز للابن مخالفة والدیه إذا منعوه من طلب العلم، وهل یعتبر عاقاً لهما إذا ذهب إلی طلب العلم وهم رافضون؟

الجواب: طلب علم الفقه والاجتهاد فیه واجب كفائي وإذا لم یتم به مَن به الكفائة وجب علی المكلف، ولیس لوالدیه حینئذٍ منعه، أما إذا قام به مَن به الكفایة سقط وجوبه عن الباقین وأصبح مستحباً، وحینئذٍ إذا منعه عنه والداه فإن كانت مخالفتهما فیه منافیة للمعاشرة معهما بالمعروف حرمت المخالفة، وإلا فلا إذ لا یجب علی الولد سوی معاشرتهما بالمعروف ولا یجب إطاعتهما في كل شيء.

السؤال: ما حكم التطاول على الوالدين بالكلام مع الشتم والسب؟

الجواب: حرام ومعصية كبيرة.

السؤال: هل يجوز تنبيه الوالد إلی أخطائه التي تسبّب له ولأبنائه الإحراج مع الناس؟

الجواب: يجوز للولد أن يناقش والديه فيما لا يعتقد بصحّته من آرائهما، ولكن عليه أن يراعي الهدوء والأدب في مناقشتهما ، فلا يحدّ النظر إليهما، ولا يرفع صوته فوق صوتهما، فضلاً عن استخدام الكلمات الخشنة.

السؤال: نحن مجموعة أشخاص نريد السفر إلى السيدة زينب (عليها السلام) وأبي غير موافق علماً بأنه لدينا شخص بالغ، فهل يجوز لنا السفر دون موافقة الوالد؟

الجواب: لا يجوز مخالفة نهي الأب إذا استوجب إيذاءه وكان ذلك ناشئا من شفقته على الولد.

 


[1] سورة الإسراء: آية32.

[2] الكافي: ج2، ص348.

[3] المصدر السابق: ج2، ص349.

[4] المصدر السابق.

[5] سورة الإسراء: آية24.

[6] الكافي: ج2، ص162.

[7] الكافي: ج2، ص159.

[8] سورة الأسراء: آية 23.