المسالة الثانية: مما يوصي به الإنسان

روى ابن يقطين، عن أخيه، عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) ما للرجل من ماله عند موته قال: (الثلث والثلث كثير)[1]،

 وروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: لَئِن أوصي بخُمس مالي أحب إليَّ من أن أوصي بالرُبع، ولئن أوصي بالرُبع أحب إلي من أن أوصي بالثُلث، ومن أوصى بالثُلث فلم يترك فقد بالغ )[2]

إذا ظهرت للإنسان علامات الموت وجب عليه أُمور:

(منها): ردّ الأمانات إلى أصحابها أو إعلامهم بذلك على تفصيل في الكتب الفقهية. 

و(منها): الاستيثاق من وصول ديونه إلى أصحابها بعد مماته، ولو بالوصية بها والاستشهاد عليها، هذا في ديونه التي لم يحلّ أجلها بعد أو حلّ ولم يطالبه بها الديّان أو لم يكن قادراً على وفائها، وإلاّ فتجب المبادرة إلى أدائها فوراً وإن لم يخف الموت.

و(منها): الوصية بأداء ما عليه من الحقوق الشرعية كالخمس والزكاة والمظالم إذا كان له مال ولم يكن متمكّناً من أدائها فعلاً، أو لم يكن له مال واحتمل ــ احتمالاً معتدًّا به ــ أن يؤدّي ما عليه بعض المؤمنين تبرعاً وإحساناً، وأما إذا كان له مال وكان متمكّناً من الأداء وجب عليه ذلك فوراً من غير تقيّد بظهور أمارات الموت.

و(منها): الاستيثاق من أداء ما عليه من الصلاة والصوم والكفارات ونحوها بعد وفاته ولو بالوصية به إذا كان له مال، بل إذا لم يكن له مال واحتمل ــ احتمالاً معتدًّا به ــ أن يقضيها شخص آخر عنه تبرّعاً وجبت عليه الوصية به أيضاً، وربما يغني الإخبار عن الإيصاء، كما لو كان له مَن يطمئن بقضائه لما فات عنه ــ كالولد الأكبر ــ فيكفي حينئذٍ إخباره بفوائته.

و(منها): إعلام الورثة بما له من مال عند غيره أو في ذمّته أو في محلّ خفيّ لا علم لهم به إذا عُدَّ تركه تضييعاً لحقهم، ولا يجب على الأب نصب القيّم على الصغار إلاّ إذا كان إهمال ذلك موجباً لضياعهم أو ضياع أموالهم، فإنه يجب على الأب والحالة هذه جعل القيّم عليهم، ويلزم أن يكون أميناً.

وههنا مسائل:

  • الحج الواجب على الميت بالاستطاعة، والحقوق المالية، وهي: الأموال التي اشتغلت بها ذمته كالديون والزكاة والمظالم، تخرج من أصل المال سواء أوصى بها الميت أم لا، نعم إذا أوصى بإخراجها من ثلثه تخرج من الثلث كما سيأتي ــ إن شاء الله تعالى ــ.
  • وإذا زاد شيء من مال الميت ــ بعد أداء الحج وإخراج الحقوق المالية إن وجب ــ فإن كان قد أوصى بإخراج الثلث أو الأقل منه فلا بد من العمل بوصيته، وإلاّ كان تمام الزائد للورثة ولا يجب عليهم صرف شيء منه عليه حتى في إبراء ذمته مما تعلّق بها من الواجبات المتوقفة على صرف المال كالكفارات والنذورات المالية والصلاة والصيام استئجاراً، نعم يستحب لهم ذلك.
  • إذا أوصى بإخراج ثلثه ولم يعيّن له مصـرفاً خاصاً عمل الوصي وفق ما تقتضيه مصلحة الميت، كأداء ما عُلِّقَ بذمته من الواجبات مقدّماً على المستحبات، بل يلزمه مراعاة ما هو أصلح له مع تيسّر فعله على النحو المتعارف، ويختلف ذلك باختلاف الأموات، فربما يكون الأصلح أداء العبادات الاحتياطية عنه، وربما يكون الأصلح فعل القربات والصدقات.
  • إذا أوصى بإخراج ثلثه، فإن نصّ على إرادة إبقاء عينه وصرف منافعه أو وجدت قرينة حالية أو مقالية على ذلك، تعيّن العمل بموجبه، وإلاّ وجب إخراج الثلث عيناً أو قيمة وصرفه في موارده من غير تأخير في ذلك، وإن توقف على بيع التركة، نعم إذا وجدت قرينة على عدم إرادة الموصي التعجيل في الإخراج جاز التأخير فيه بمقدار ما تقتضيه القرينة، مثلاً لو أوصى بإخراج ثلثه مع الإلتفات إلى أنّ الإسراع فيه يتوقّف على بيع الدار السكنية لورثته المؤدي إلى تشردّهم ــ وهو ما لا يرضى به يقيناً ــ كان ذلك قرينة على إذنه في التأخير إلى الزمان الذي يتمكّن فيه الورثة أو وليهّم من تحصيل مسكن لهم ولو بالإيجار.
  • إذا أوصى مَنْ لا وارث له إلاّ الإمام (عليه السلام) بجميع ماله للمسلمين والمساكين وابن السبيل لم تَنفُذ إلاّ بمقدار الثلث منه كما هو الحال فيما إذا أوصى بجميعه في غير الأمور المذكورة، وسبيل الباقي سبيل سهم الإمام (عليه السلام) من الخمس.
  • إذا أوصى بوصايا متعدّدة وكلها من الواجبات التي لا تخرج من الأصل، أو كلها من التبرّعات والخيرات، فإن زادت على الثلث ولم يجِزُ الورثة جميعها، ورد النقص على الجميع بالنسبة ما لم تكن قرينة حالية أو مقالية على تقديم بعضها على بعض عند التزاحم.

 


[1] التهذيب 9 : 242 رقم 940 

[2] الفقيه ج 4 : 185 رقم 5423