مسك الختام

ما يناسب مدينة النجف الأشراف وباقي المدن المقدسة

 حبانا الله تعالى بنعمة كبرى وعظيمة ألا ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة المعصومين من آل رسوله الكريم صلوات ربي عليه وعليهم أجمعين فعلينا معرفة عظمة هذه النعمة التامة، ومن أوجه معرفتهم (عليهم السلام) تعظيم مشاهدهم ومراقدهم المقدسة والتحلي بأخلاقهم والتخلي عن أخلاق أعدائهم في كل حالاتنا وأحوالنا وعند تشرفنا بزيارة هذه المراقد والمشاهد المعظمة أو السكن بجوارها أو في المدن التي تكون مشرفة بقبورهم المقدسة ومن هذه المدن مدينة النجف الشرف وكربلاء والكاظمية وسامراء وغيرها وأهم مدن العراق المقدسة هي تلك المدينة المقدسة، التي يهفو إليها قلب كل مؤمن شوقاً لزيارتها، وتطلّعاً إلى بركاتها، إنها المدينة التي احتضنت بكل حَدب وحنان ذلك الجسدَ الطاهر لأعظم شخصية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الرجل الذي صنع تاريخ أمة، وإنسانية الإنسان. وكانت حياته ونضاله منعطف هداية، ومشعل رشاد ونوراً لكل الأمم ولمختلف الشعوب، المدينة التي تحملت أعظم المسؤوليات، واستُودعت أعظم وأغلى الأمانات، ولقد عرفت كيف تقوم بأعباء المسؤولية، وتحافظ على الأمانة، فدافعت وناضلت في سبيلها بكل ما أُوتيت من قوة وحول، وتحدّت الزمن، وتحمّلت كل النوائب والعوادي التي تنوء بأدناها دول، وتعجز عن تحملها أمم وشعوب، هي تلك المدينة التي تضمّ جثمان رجل لا تُحصى فضائله، ولا تُعدّ مناقبه، وكيف تُعدّ فضائل رجل أسرّ أولياؤه مناقبه خوفاً، وكتمها أعداؤه حقداً، ومع ذلك شاع منها ما ملأ الخافقَين، -على حدّ تعبير الشافعي- وهو الذي لو اجتمع الناس على حبّه -كما يقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)- لما خلق الله النار، رجل هو أفضل هذه الأمة مناقب، وأجمعها سوابق، وأعلمها بالكتاب والسنة، وأشدها إخلاصاً لله، وتفانياً في سبيله رجل هو أسد الله الغالب، الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، واختصاص مدينة النجف الأشرف بهذا الشرف يحتم على أبنائها وزائريها وساكنيها التخلق بأخلاق سيد الأوصياء وعظيم صفاته والابتعاد عن صفات أعدائه من ذميم الأخلاق وقبائح الأفعال كاللهو والغناء والرقص والمجاهرة بها وإشاعتها كما يمارسه بعض شبابها وللأسف مما لا يمت بصلة لأخلاق الأنبياء والأوصياء صلوات ربي عليهم ولا لهذه المدينة المقدسة والتي شرفها الله بأن تكون أرضها مثوى لسيد الأوصياء والأنبياء والأولياء، وما نذكره مما يناسب خصوصية المدن المقدسة، لا يعني إيجاد المبرر للتساهل في هذا الأمر في باقي المدن الإسلامية كلها فإن كل مدننا الإسلامية يحرم فيها هذا الأمر وإذاعته والتساهل في شيوعه، وإنما قلنا ذلك لبيان زيادة الاهتمام والتأكيد عليه في خصوص هذه المدن.  

 قال الشاعر:

ولي بودّ أمـير النحــل حيـــدرة    شغلٌ عن اللهو والإطراب ألهاني

هاتِ الحديث سميري عن مناقبهِ    ودع حديثَ رُبى نجـد ونعــمانِ

مُردي الكماةِ وفتـــــّاك العتاة و        هطّال الهباتِ وأمن الخائف الجاني

بنى بصارمه الإسلامَ إذ هـدم الـ    أصنامَ أكرِمْ بهِ من هــادم بــانِ[1]

 من كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام):

فَعَلَيْكُمْ بِالْجَدِّ والِاجْتِهَادِ والتَّأَهُّبِ والِاسْتِعْدَادِ، والتَّزَوُّدِ فِي مَنْزِلِ الزَّادِ، ولَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا، كَمَا غَرَّتْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، والْقُرُونِ الْخَالِيَةِ الَّذِينَ احْتَلَبُوا دِرَّتَهَا، وأَصَابُوا غِرَّتَهَا وأَفْنَوْا عِدَّتَهَا، وأَخْلَقُوا جِدَّتَهَا وأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ أَجْدَاثاً، وأَمْوَالُهُمْ مِيرَاثاً لَا يَعْرِفُونَ مَنْ أَتَاهُمْ، ولَا يَحْفِلُونَ مَنْ بَكَاهُمْ ولَا يُجِيبُونَ مَنْ دَعَاهُمْ، فَاحْذَرُوا الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَدَّارَةٌ غَرَّارَةٌ خَدُوعٌ، مُعْطِيَةٌ مَنُوعٌ مُلْبِسَةٌ نَزُوعٌ، لَا يَدُومُ رَخَاؤُهَا، ولَا يَنْقَضِي عَنَاؤُهَا ولَا يَرْكُدُ بَلَاؤُهَا.

ومنها في صفة الزهاد: كَانُوا قَوْماً مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ولَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا، فَكَانُوا فِيهَا كَمَنْ لَيْسَ مِنْهَا، عَمِلُوا فِيهَا بِمَا يُبْصِرُونَ، وبَادَرُوا فِيهَا مَا يَحْذَرُونَ، تَقَلَّبُ أَبْدَانِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِ الآخِرَةِ، ويَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ، وهُمْ أَشَدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْيَائِهِمْ[2].

 


[1] للسيّد عبد العزيز بن محمّد بن الحسن بن أبي نصر الحسيني السريجي الأُوالي: من شعراء الشيعة وكان فاضلاً أديبا جامعاً، وشاعراً ظريفاً بارعاً، توفّي في البصرة سنة (750 هـ) تقريباً (الغدير: 6ج6، ص38).

[2] نهج البلاغة: ص352.