الرابعة: الانترنت

وهو من متطلبات الحياة العصرية الحديثة والذي أصبح وبمرور الوقت حاجة أساسية لا غنى للإنسان عنها فساهمت الانترنيت في إثراء ثقافة الناس ووعيهم، على إننا لا ننظر إلى أي وسيلة من وسائل الاتصالات بطريقة مجتزأة، فالانترنت شكَّل قفزة مهمة جداً على مستوى الربط والاتصال بين الناس ونشر المعلومات وسرعة الوصول إليها، لكن هذه النعمة محفوفة بمخاطر لها علاقة بطريقة استخدامها من جهة، وتنوع ما ينشر فيها من جهة أخرى.

استخدام الانترنت له ثلاث صور:

الصورة الأولى: الاستخدام المحرم:

وللأسف دخل الانترنت عالم الوسائل التي يتوصل من خلالها البعض إلى غاياتهم الشيطانية والتي أخذت دائرتها تكبر لحظة بلحظة كمّا وكيفا مما أفزع المهتمين بالشأن الأخلاقي والاجتماعي والأسري على حد سواء، ودعاهم إلى التحرك الجاد من أجل إيقاظ الناس وتحذيرهم من الاستخدام السيء لهذه الوسيلة العصرية الهامة، فصار أداة فعالة بيد أتباع الشيطان حيث انتشرت الأفلام والمقاطع اللاخلاقية الفاسدة والمحرمة، ومقاطع الجريمة والعنف والسرقة والغناء حتى غدت غذاءً يوميا للشباب ولكثير من الأسر، فانتشرت ثقافة القتل والسرقة والفساد والمكر والخديعة وتسقيط الناس وإشاعة الفجور والخيانة وهتك الأعراض مما يندى له جبين الإنسانية أجمع، فانهارت أسر وتفككت أخرى وأريقت دماء وهجر ناس أوطانهم وحرموا من أهليهم وذويهم وأزواجهم بسبب إشاعة خطأ أو تلفيق تهمة أو تركيب صورة على أخرى، إلى غير ذلك من أساليب الشياطين، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ َ)[1]، ثم ما حصل في السنوات الأخيرة من تزايد مواقع التواصل الاجتماعي الذي فتح المجال كبيراً للاختلاط بين الجنسين عبر قنوات الدردشة الصوتية أو المرئية وما تؤدي إليه من نشر الفساد والانحلال الخلقي وإهدار الوقت والسهر للصباح على الكلام اللهوي الماجن الذي ينبغي وضع حد له بشكل حازم، فهذه صورة محرمة من صور استخدام الانترنيت.

الصورة الثانية: الادمان على الانترنت:

 وهو فيما لو كان الاستخدام لهذه الوسيلة قد وصل لحد الإدمان عليه فيما إذا شغل الإنسان عن دينه وواجباته وساهم في ضياع عمره وحقوقه ، وهناك قلق يساور الآباء والأمهات والمربّين من سوء اسخدام الانترنت من في جانبين:‏

الجانب الأول:

 يرتبط بالإدمان، حيث إن الانترنيت بكافة تشعباتها يَستهوي المراهقين والشباب وربما الأطفال بدافع الفضول بداية والتواصل مع من يعرفون ومن لا يعرفون، ثم يتحول هذا التعلق البسيط إلى إدمان يؤدي إلى هدر الوقت وتضييع العمر فيما لا نفع فيه إذا لم يكن مضراً من الناحية التربوية، وهذا الخطر يشترك معه فيه التلفزيون وكل الوسائل الإعلامية الحديثة، قبل حوالي عشرين سنة كتبت الباحثة الأمريكية (ماري وين) عن مخاطر الإدمان التلفزيوني على الأطفال بقطع النظر عن المادة التي يشاهدونها، حيث رأت أن نفس المشاهدة لمدة طويلة لها مخاطرها النفسية والتربوية ولها تأثيراتها السلبية على النمو والتوازن في الشخصية، وهو بحث نشر ضمن سلسلة عالم المعرفة عام1999م. وهو ينطبق تماما على إدمان الانترنت، بل الأمر هنا أشد والإدمان عليه أكبر، لأن عالم الانترنت أكثر جذباً، لسهولة التحكم بما يشاهد فيه على العكس من التلفزيون، إذ يستطيع الشخص أن يتصفح ما يريد بسهولة ويسر، مما يبقيه منشداً للانترنت ساعاتٍ أطول.

الجانب الثاني:

يتعلق بما يحتويه ويوفره الانترنيت، ونحن هنا يساورنا قلق شديد للواقع المأساوي الذي ربما لا يعلم به الكثيرون ممن يسهلون لأبنائهم التعامل مع هذه الوسيلة في المنزل أو في المقهى دون رقابة، بعض الإحصاءات تقول بأنّ عدد المواقع الإباحية تتجاوز العشرة آلاف موقع، ففي كل يوم تفتتح عشرات المواقع الجديدة، وتقوم هذه المواقع بنشر ثقافة الشذوذ والانحلال والإباحية بما لا نظير له في السابق، وهذا التزايد السريع بعدد المواقع يعود لأسباب منها تجارية ربحية، وأخرى تأخذ في بعضها بعُدا اقتصاديا وسياسيا، فإن الصراعات ذات البعُد الأيدلوجي والاقتصادي التي يشهدها عالمنا اليوم تستخدم كل الوسائل، ومن أهمها القضاء على قوة هذه الدول وضرب منابع الحيوية والقدرة عندها، أعني الشباب، لأن مجتمعاً بلا شباب يعني مجتمع بلا أفق بلا إمكانات بلا مستقبل، ولذا تلجأ الدول الطامعة الكبرى في ثروات الدول الصغيرة إلى كل وسيلة من شأنها إضعاف هذه الدول بالحرب فيما بينها تارة أو تقسيمها تارة أخرى وإغراق مجتمعاتها في اللهو والعبثية واللامبالاة وإدمان المخدرات والتحلل والبحث عن اللذة، والتي يقع ضحيتها شبابنا ومجتمعنا اليوم فنحن ضحايا لمشروع كبير يموّل بمليارات الدولارات,‏ فلا بد من دق ناقوس الخطر كي نتحمل جميعاً المسؤولية ونضع الخطط والبرامج التي تنقذ أبناءنا وتحميهم من مخاطر ما يخطط لهم أو على الأقل حمايتهم من هذه الأخطار والإضرار وتحصين مجتمعاتنا مما يراد بها، وفي الآونة الأخيرة تعدى الأمر إلى غزو فكري آخر، وهو المواقع الإرهابية التي تعلم الأطفال الإرهاب والقتل وتجرّهم - بغواية شيطانية- إلى ممارسة أنواع منه بدافع عقدي أو نفعي مختلف، والهدف الأساسي هو تدمير الشباب وتغيير مسارهم إلى ما لا نفع فيه، هذا بالإضافة إلى المواقع الفكرية المنحرفة التي تغير أفكار الناس وتمارس إرهاباً فكرياً يستهدف بالخصوص أتباع المذهب الحق ويشوه أفكار أبنائه.

الصورة الثالثة: الاستخدام الايجابي البناء:

وجميل أن ندخل هذا العالم الذي يعطينا فرصة التعرف على أشخاص وأماكن لم نعرفها من قبل ويضع بين أيدينا هذا الكم الهائل من المعلومات، وهو بحد ذاته نعمة كبيرة ومنفعة عظيمة إذا استخدمت بشكل يرضاه الله ورسوله وآل بيته صلوات ربي عليه وعلى آله، كالانتفاع فيه لطلب العلم أو الأبحاث العلمية والبحث عن أسرار الطبيعة والفلك والكون والطب وغيرها من العلوم والمعارف أو لنشر العلم والدين إلى بقاع الأرض المختلفة فيصل إلى طالبيه في كل مكان، ومع هذا الاستخدام الايجابي ينبغي الحذر من الغفلة

تحت عنوان دعوته إلى كل أب وأم  

فإلى كل أب.. وإلى كل شاب نسأل:

هل أنت ممن أدمن على الانترنيت؟

إذن يجب أن لا يكون إدمانك عليه مدعاة لذهاب عمرك العزيز وواجباتك الدينية والأسرية والاجتماعية.

هل ولدك شابا كان أو صبيا مدمن أيضاً؟

فإذا كان كذلك فعليك نصيحته بتقليل ساعات استرساله على الانترنيت وإيقاظه من الغفلة أو الوقوع في المحرمات وذهاب عمره في غير الصراط المستقيم وطاعة الله والتقصير في واجباته التي لا يؤديها غيره.

كم مرة دخلت أو علمت ولدك الدخول للمواقع الإسلامية والأخلاقية والمعرفية التي يمكن أن تساهم في نضوج الإنسان.

فإذا اخترت هذه المواقع فليكن اختيارا صائبا ويناسب احتياجك وعلمك.

هل نظمت وقتك -وعلمت ولدك- بشكل يمنع من ضياع واجباتك الدينية والأسرية؟

هل راقبت أولادك في تعاملهم مع الانترنيت والمواقع التي يدخلونها وتحذيرهم بأسلوب أبوي مليء بالرحمة والشفقة والخوف عليهم من أفات هذا العالم الكبير؟

في حالة عجزك أيها الأب العزيز عن توجيههم التوجيه الصحيح استعن بمن له الحياطة والعلم والخبرة في هذا المجال لمساعدتك في ذلك.

عزيزي رب الأسرة الكريم أبناؤك وبناتك هم مسؤوليتك أمام الله وأمام المجتمع فلا تهمل تعليمهم وتربيتهم وتوجيههم التوجيه الصحيح ولا تغفل عن مراقبتهم ولا يكفي أن توفر لهم كل أسباب العيش الرغيد بل عليك هدايتهم وجذبهم للأخلاق الحميدة التي دعانا إليها الله ورسوله وأهل بيته الطيبين الطاهرين صلوات ربي عليهم أجمعين.

 

 

 

سؤال العالم

استفتاءات مكتب سماحة آية الله العظمى

السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

السؤال: ما هو الحكم الشرعي في المحادثة التي تتم عن طريق الانترنت بين الشاب والشابة فقط كتابياً وليس صوتياً؟

الجواب: لا يجوز مع خوف الوقوع في الحرام.

السؤال: ما حكم تبادل الرسائل الالكترونية بين الجنسين بشكل مباشر؟

الجواب: لا يجوز لما فيه من خوف الوقوع في الحرام ولو بالانجرار إليه شيئا فشيئا.

السؤال: ما حكم من يفتح المواقع الإباحية ويستمع للغناء المتناسب مع مجالس اللهو والطرب؟

الجواب: لا يجوز.

السؤال: هل یجوز للشاب التحدث مع فتاة في مواقع المحادثة علی الانترنت وذلك للتسلیة؟

الجواب: لا یجوز مع خوف الوقوع في الحرام.

السؤال: یوجد في الانترنت برنامج البالتوك الذي یضم مختلف الفئات التي تتناقش في مواضیع شتی، سؤالي لسماحتكم ما رأیكم بالتحدث بین الشباب (الفتیات والفتیان) في هذا البرنامج؟

الجواب: لا یجوز مع عدم الأمن من الوقوع في الحرام ولو بالانجرار إليه شیئاً فشیئاً.

السؤال: ما رأيكم في تكوین علاقات أو صداقات أو حب بین المرأة والرجل عبر الانترنت؟

الجواب: لا یجوز.

السؤال: أود أن أسأل عن حكم المراسلة بین البنت والولد عبر الانترنت هل هو حرام أم حلال مع العلم أن الذي یدور مجرد السؤال عن الصحة وعن موضوعات اجتماعیة متفرقة؟

الجواب: لا یجوز مع خوف الانجرار إلی الوقوع في الحرام.

السؤال: هل یجوز المحادثة الكتابیة عن طریق الانترنت (الدردشة) مع الولد أو البنت في الأمور الدینیة أو النصح الاجتماعي أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الثقة بعدم الوقوع في المحرم؟

الجواب: لا یجوز مع خوف الوقوع في الحرام ولو بالانجرار إليه شیئاً فشیئاً قال تعالی: (بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)[2].

السؤال: يتوفر عندي خط انترنت من مقهى مجاور، هل يجوز لي أن أعطي منه لأحد الجيران بدون إذن صاحب المقهى، إذا لم يضره؟

الجواب: لا یجوز من دون إذن أصحاب الشرکة.

السؤال: هل العمل بمقاهي الانترنت جائز؟

الجواب: لا مانع منه في نفسه.

السؤال: أنفقت الكثير من المال في غير مرضاة الله كأن يكون على الانترنت وما فيه من مفاسد وغيرها من الأمور الخاطئة ولقد ندمت على ما فعلت وأريد أن أصلح ما فرط مني؟ فما هو الحكم الشرعي في المال الذي أنفقته وكيف أستطيع إصلاح الوضع؟

الجواب: تكفي التوبة وأداء الحقوق ومنها خمس الأموال المذكورة.

 


[1] سورة النور: آية 19.

[2] سورة القيامة: آية14- 15.