الثالثة: الغناء

وهو من أشد أنواع اللهو وأشهرها وأكثرها ضررا على الفرد والمجتمع.

والغناء المحرّم عبارة عن صوت الإنسان المرجّع فيه على سبيل اللهو والباطل والإضلال عن الحقّ، سواء تحقّق في كلام باطل أم في كلام حقّ، وسمّاه في الصحاح بالسماع، ويصدق عليه في العرف أنّه قول زور وصوت لهوي.

وهو من صور اللهو المحرّم، فإن اللهو قد يكون بآلة اللهو من غير صوت إنسان كضرب الأوتار، وقد يكون بالصوت المجرّد من دون آلة، وقد يكون بالصوت في آلة اللهو كالنفخ في المزمار والقصب، وقد يكون بالحركات المجرّدة كالرقص، وقد يكون بغيرها من موجبات اللهو[1]، وقد يقترن بالتصفيق وضرب الأوتار وشرب الخمور وهتك الأعراض وغيرها من الأمور المحرمة.

ومتى ما كان صوت الإنسان بنفسه مصداقا للغناء ومناسبا لمجالس اللهو المحرم كألحان أهل الفسوق والكبائر التي لا تصلح إلا للرقص والطرب فهو محرم شرعا، وقد دلت النصوص الشريفة عن النبي وأهل بيت العصمة (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين) على حرمة الغناء تعليمه وتعلّمه وحرمة التكسّب به واستماعه، وأنّه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة، وأنّه يورث الفقر والقساوة وينزع الحياء، وأنّه رقية الزنا، ويرفع البركة وينزل البلاء كما نزل البلاء على المغنّين من بني إسرائيل، وأنّه ممّا وعد الله عليه النار وبئس المصير، وأنّه عشّ النفاق، وأنّ الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله، وأنّ استماع الغناء نفاق وتعلّمه كفر، وأنّ صاحب الغناء يحشر من قبره أعمى وأخرس وأبكم وأنّ من ضرب في بيته شيئاً من الملاهي أربعين يوماً فقد باء بغضب من الله، وهو من مصاديق اللهو فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (الغناء مما وعد الله عز وجل عليه النار وتلا هذه الآية: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) [2])[3]، وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (الغناء رقية أي: وسيلة الزنا)[4]، وعن زيد الشحام قال: سالت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عز وجل: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) قال: قول الزور الغناء)[5]، وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن الغناء فقال (لا تدخلوا بيوتا الله معرض عن أهلها)[6]، وعنه (عليه السلام): (لَم يَعقِل مَن وَلِهَ بِاللَّعِبِ، واستَهْترَ بِاللَّهوِ والطَّرَبِ)[7]، وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (استماع اللهو والغناء ينبت النفاق كما ينبت الماء الزرع)[8].

ضابطة الغناء إنّما تتحقّق بأحد أمرين:

الأول: أن تكون الأصوات الإنسانية المتّصفة بصفة الغناء مقترنة بكلام لا يعدّ عند العقلاء إلاّ باطلا، ومثاله الألفاظ المصوغة على هيئة خاصّة المشتملة على الأوزان والسجع والقافية، والمعاني المهيّجة للشهوة الباطلة والعشق الحيواني، من دون أن تشتمل على غرض عقلائي، بل قد لا تكون كلماتها متناسبة، كما تداول ذلك كثيراً بين شبّان العصر وشابّاته، وقد يقترن بالتصفيق وضرب الأوتار وشرب الخمور وهتك الناس وغيرها من الأمور المحرّمة وعليه فلو وجد اللحن المذكور في كلام له معنى صحيح عند العقلاء لما كان غناء. ومثاله قراءة القرآن والأدعية والخطب، والأشعار المشتملة على الحكم والمواعظ، ومدائح الأنبياء والأوصياء وأعاظم الدين ومصائبهم ورثائهم.

 الثاني: أن يكون الصوت الإنساني بنفسه مصداقاً للغناء وقول الزور واللهو المحرّم، كألحان أهل الفسوق والكبائر التي لا تصلح إلاّ للرقص والطرب، سواء تحقّقت بكلمات باطلة أم تحقّقت بكلمات مشتملة على المعاني الراقية، كالقرآن ونهج البلاغة والأدعية، نعم هي في هذه الأمور المعظّمة وما أشبهها أبغض، لكونها هتكاً للدين بل قد ينجر إلى الكفر والزندقة، ومن هنا نهي في بعض الأحاديث عن قراءة القرآن بألحان أهل الفسوق والكبائر[9] فقد روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وإيّاكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر، فإنّه سيجيء بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية)[10].

ونذكر هنا جملة من أضرار الغناء من الناحية العلمية

 1- تسبب أمراض الأعصاب ( يقول د- لوتر: إن مفعول الغناء والموسيقى في تخدير الأعصاب أقوى من مفعول المخدرات)[11] ويقول (د ولف أدلر: الأستاذ بجامعة كلومبيا: يقول إن أحلى وأجمل الأنغام والألحان الموسيقية تعكس آثاراً سيئة على أعصاب الإنسان)[12].

2- يسبب ضغط الدم: (د - كورلد واين: أجرى أبحاثاً علمية وحصل على هذه النتيجة وهي: إن الغناء والموسيقى من أهم العلل في ارتفاع ضغط الدم)[13].

3- يسبب الصداع: قام (د- آرنولد في مستشفى نيويورك بإجراء بعض التجارب وقال: من أهم العوامل لضعف الأعصاب والأتعاب النفسية الروحية والصداع هو الاستماع إلى الموسيقى والغناء وخصوصا إذا كان الاستماع بتوجه وإمعان)[14].

4- يسبب فقدان الإرادة النفسية: نشرت مجلة سويسرية مقالا تحت عنوان: (جنون الموسيقى) انتقدت فيه الموسيقى والغناء حيث قام بعض الشباب بالاستماع إلى ألحان موسيقية ساحرة وقاموا فجأة وهجموا على المحلات وكسروا الزجاج وهذا يدل على فقدان الإرادة النفسية.

5- بالنسبة إلى المرأة الحامل تسبب الغناء في انزعاج الجنين: قال (د- روبرت وهو مختص في علم النفس للأطفال): لقد ثبت علميا أن الجنين ينزعج من الموسيقى وهو في بطن أمه، لأنها تسبب اضطرابا في قلب الطفل، وتظهر هذه الحالة بعد ستة أشهر من تكوين الجنين[15].

 

سؤال العالم

استفتاءات مكتب سماحة آية الله العظمى

السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

جلست بين يدي العالم وسألته بما يلي:

سيدي: ما هو تعريفكم للغناء؟

فأجاب: الغناء حرام فعله واستماعه والتكسّب به، والظاهر أنه الكلام اللهوي - شعراً كان أو نثراً- الذي يؤتى به بالألحان المتعارفة عند أهل اللهو واللعب، وفي مقومية الترجيع والمدّ له إشكال، والعبرة بالصدق العرفي، ولا يجوز أن يقرأ بهذه الألحان القرآن المجيد والأدعية والأذكار ونحوها، بل ولا ما سواها من الكلام غير اللهوي على الأحوط وجوباً. وقد يستثنى من الغناء المحرّم: الغناء في الأعراس إذا لم يضمّ إليه محرّم آخر من الضرب بالطبل والتكلّم بالباطل، ودخول الرجال على النساء، وسماع أصواتهنّ على نحو يوجب تهيّج الشهوة، ولكن هذا الاستثناء لا يخلو عن إشكال فالأحوط وجوباً تركه، وأمّا الحداء المتعارف فليس بغناء، ولا بأس به، كما لا بأس بما يشكّ - من جهة الشبهة المصداقيّة - في كونه غناء أو ما بحكمه.

وأما الموسيقى فما كان منها مناسباً لمجالس اللهو واللعب كما هو الحال فيما يعزف بآلات الطرب، كالعود والطنبور والقانون والقيثارة ونحوها، فهي محرّمة كالغناء، وأمّا غيرها كالموسيقى العسكريّة والجنائزيّة فالأحوط الأولى الاجتناب عنها أيضاً.

السؤال: هل هناك روایات في تحریم الغناء و الموسیقی؟

الجواب: ورد تحريم الاستماع والإنصات إلى الغناء والموسيقى المحرمة في السنة الشريفة. فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث شريف له: (ويحشر صاحب الغناء من قبره أعمى وأخرس وأبكم، ويحشر الزاني مثل ذلك، ويحشر صاحب المزمار مثل ذلك، وصاحب الدف مثل ذلك).

وقال (صلى الله عليه وآله): (من استمع إلى اللهو (الغناء والموسيقى) يذاب في أذنه الأنك (الرصاص المذاب) يوم ا لقيامة).وقال (صلى الله عليه وآله): (الغناء والموسيقى رقية الزنى) أي وسيلة أو طريق يؤدي إلى الزنى.

السؤال: يكثر السؤال عن الأغاني المحللَّة والأغاني المحرمة، فهل نستطيع أن نقول بأنّ الأغاني المحرمة هي تلك التي تثير الغرائز الجنسية الشهوانية، وتدعو إلى الابتذال والميوعة؟ وأما الأغاني التي لا تثير الغرائز الهابطة، والتي تسمو بالنفوس والأفكار إلى مستوى رفيع، كالأغاني الدينية التي تتغنى بسيرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أو بمدح الأئمة b أو تلك الأغاني والأناشيد الحماسية وأضرابها أغانٍ محللَّة؟

الجواب: الغناء حرام كله، وهو على المختار: الكلام اللهوي الذي يؤتى به بالألحان المتعارفة عند أهل اللهو واللعب، ويلحق به في الحرمة قراءة القراَن الكريم والأدعية المباركة ومدائح أهل البيت b بهذه الألحان، وأما قراءة سوى ذلك من الكلام غير اللهوي - كالأناشيد الحماسية - بالألحان الغنائية، فحرمتها تبتني على الاحتياط اللزومي.

السؤال: معنى مناسبة الموسيقى أو الغناء لمجالس اللهو؟

الجواب: ليس المقصود من عبارة (مناسبة الموسيقى أو الغناء لمجالس اللهو واللعب) هو كون الموسيقى أو اللحن الغنائي موجباً لترويح النفس، أو تغيير الجو النفسي، ولكن المقصود بها أن السامع للموسيقى أو للحن الغنائي -خصوصا إذا كان خبيراً بهذه الأمور- يميِّز أن هذا اللحن مستعمل في مجالس اللهو واللعب، أو أنه مشابه للألحان المستعملة فيها، وأما اللحن الذي لا ينطبق عليه التعريف المذكور فليس محرماً بذاته.

السؤال: ما حكم سماع الأغاني الوطنية؟

الجواب: إذا كانت بكيفية تناسب مجالس اللهو و اللعب فالأحوط وجوباً عدم الاستماع.

السؤال: هل يجوز الاستماع إلى أغاني الأطفال التي لا تطرب النفس؟

الجواب: لا يجوز - على الأحوط- إن كان اللحن مناسبا لمجالس اللهو واللعب وتحرم الموسيقى إن كانت بكيفية تناسب مجالس اللهو واللعب.

السؤال: ما حكم من يسمع الأغاني في سيارة ليست له وهو مجبر على الركوب في هذه السيارة؟

الجواب: المحرّم هو الاستماع لا السماع فيمكنه أن لا يصغي إليه.

السؤال: هل یجوز كتابة الرسائل الغنائیة وبیعها للملحن؟

الجواب: لا یجوز إذا كان مضمونها ینشر الفساد ویحث علی الحرام كما لا یجوز إذا ذكر في الاتفاق كونها للتغني.

السؤال: ما حكم الغناء اللهوي في لیلة الزفاف بوجود النساء فقط؟

الجواب: لا یجوز إن كان مصاحباً للموسیقی اللهویة والأحوط وجوباً تركه بدونها أيضاً.

السؤال: هل یجوز للنساء لیلة الزفاف السماع إلی الأغاني المحرمة؟

الجواب: لا یجوز ، نعم استثنی بعض الفقهاء لیلة الزفاف إذا لم یصحب الغناء موسیقی مناسبة لمجالس اللهو. ولم یکن الغناء بکلام باطل ولم یدخل الرجال علیهن ولم یسمعوا أصواتهن، ومع ذلك فهو مشکل أيضاً، فالأحوط وجوباً تركه.

 السؤال: ما هو حكم الشرع فیمن یعرف الغناء أن حرام و یسمعه ؟

الجواب: یفعل حراماً فلیستغفر ربه و یتركه ويجب نهيه عن هذا المنکر مع توفر شروط النهي عن المنکر.

السؤال: هل يجوز سماع أغاني المسلسلات؟

الجواب: لا يجوز الغناء مطلقاً.

السؤال: هل یجوز دخول الرجال علی النساء أثناء زفة العریس علی عروسه في هاتين الحالتین:

الأولى: مع مظنة الفتنة خصوصاً إذا كان الداخلون شباباً.

الثانیة: مع عدم مظنة الفتنة كتوصیل الأب والأعمام (الكبار السن) العریس إلى مكانه عند العروس وعدم المكث في ذلك المكان؟

الجواب: لا یجوز في الفرض الأول ویجوز في الفرض الثاني.

السؤال: هل یجوز الحضور في واحدة من تلك الحفلات مع العلم المسبق بوجود أغانٍ وموسیقی، وما الوظیفة الشرعیة إن فوجئ الحاضر بعد حضوره بوجود مثل ذلك؟

الجواب: الحضور في تلكم المجالس مع السكوت عما یجري فیها من المنكرات ربما یعدّ نحو إمضاء لها بل ونوع تشجیع علی ارتكابها، بالإضافة إلى أن مقتضی وجوب النهي عن المنكر في ظرف تحقق شروطه هو القیام بما یوجب الردع عنها، وإذا فوجئ الحاضر باشتمال الحفل علی شيء من المحرمات لزمه النهي عن المنكر مع توفر شروط وجوبه المذكورة في الرسالة العملیة.

 


[1] أجوبة الاستفتاءات لسماحة السيد الخوئي (قده)، موقع مركز الإمام الخوئي (لندن).

[2] سورة لقمان: آية6.

[3] عوالي اللئالئ: ج1، ص244.

[4] بحار الأنوار: ج76، ص247.

[5] وسائل الشيعة: ج17، ص303.

[6] المصدر السابق: ج17، ص306.

[7] مستدرك الوسائل: ج13،ص220.

[8] وسائل الشيعة: ج17، ص316.

[9] مصباح الفقاهة: ج1، ص488.

[10] الكافي: ج6، ص614.

[11] كتاب شعر وموسيقى: ص115.

[12] المصدر السابق.

[13] مجلة اطلاع: العدد 19690.

[14] مجلة نيويورك: العدد1036.

[15] مجلة اطلاع: العدد1094.