مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) هي أول مدرسة فكرية أُنشِأت في الإسلام، وقد عَملت بِكُلِّ طاقاتها على تقدّم حياة المسلمين وتطويرها.
ولم تقتصر علومها على التشريع الإسلامي، وإنما تناولت جميع العلوم والمعارف من الإدارة، إلى الاقتصاد، إلى الطبِّ والكيمياء، إلى الحكمة والفلسفة، إلى علم الكلام، والعلوم السياسية.
هذه المؤسسة العظيمة قامت بدور مهم في تأسيس هذه العلوم وتدوينها، بعد أن مَنَع الخليفةُ الأول والثاني تدوينَ الحديث الشريف، لأن ذلك قد يؤثِّر على تلاوة القرآن، وانشغال الناس بالحديث عن كتاب الله تعالى.
وتميزت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بما يأتي:
أولاً: الاتصال بالنبي (صلى الله عليه وآله):
فالشيء المهم في فقه أهل البيت (عليهم السلام) هو أنه يتصل اتصالاً مباشراً بالنبي (صلى الله عليه وآله)،
فطريقُهُ إليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب اللهُ عنهم الرجسَ وطهَّرَهم تطهيراً، وجعلهم النبي (صلى الله عليه وآله) سُفُن النجاة، وأَمْن العِبَاد، وعُدَلاء الذكر الحكيم، حَسْبَما تواترت الأخبار بذلك.
قال (عليه السلام): (لو إِنَّنا حَدَّثنا برأينا ضَلَلْنا، كما ضَلَّ من قبلنا، ولكِنَّا حَدَّثنا بِبَيِّنَة من رَبِّنا بَيَّنها لنبِيِّه (صلى الله عليه وآله)، فَبَيَّنَها لَنا )[1].
ثانياً: المُرُونة:
إنَّ فِقه أهل البيت (عليهم السلام) يساير الحياة، ويواكب التطوُّر، ولا يَشُذُّ عن الفطرة، ويتمشَّى مع جميع مُتطلَّبات الحياة، فَلَيس فيه حرج ولا ضيق، ولا ضرر ولا إضرار، وإنما فيه الصالح العام، والتوازن في جميع مناحي تشريعاته، وقد نال إعجاب جميع رجال القانون، واعترفوا بأنه من أثْرى ما قُنِّنَ في عالم التشريع، عُمقاً وأصالة وإبداعاً.
ثالثاً: فتح باب الاجتهاد:
إنَّ من أهم ما تَميَّز به فقه أهل البيت (عليهم السلام) هو فتح باب الاجتهاد، فقد دلَّ ذلك على حَيَويَّة فقههم، وتفاعله مع الحياة، واستمراره في العطاء لجميع شؤون الإنسان، وإنه لا يقف عاجزاً أمام الأحداث المستجِدَّة التي يُبتلى بها الناس خصوصاً في هذا العصر الذي برزت فيه كثير من الأحداث، واستحدثت فيه كثير من الموضوعات.
وقد أدرك كبار علماء المسلمين من الأزهر في عصرنا الحاضر مدى الحاجة الملحَّة إلى فتح باب الاجتهاد، كما فعلت الشيعة الإمامية.
رابعاً: الرجوع إلى حكم العقل:
اِنفرد فقهاء الإمامية عن بقيَّة المذاهب الإسلامية فَجَعلوا العقل واحداً من المصادر الأربعة لاستنباط الأحكام الشرعية، وقد أضفوا عليه أسمى ألوان التقديس فاعتبروه رسول الله الباطني، وإنه مما يُعبَد به الرحمن، ويكتَسب به الجنان.
ومن الطبيعي أن الرجوع إلى حكم العقل إنَّما يَجوز إذا لم يكن في المسألة نَصٌّ خاص أو عام، وإلا فهو مُقدَّمٌ عليه، وإن للعقل مَسرحاً كبيراً في علم الأصول الذي يتوقف عليه الاجتهاد.
خامساً: تنوع علوم المدرسة:
إنَّ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) التي كان يشرف عليها الإمام الباقر (عليه السلام)
لم تقتصر على تدريس علم الفقه، بل اهتمَّت بجميع العلوم العلمية، والفكرية، والاجتماعية، والأدبية، والتاريخية.