قسمت الروايات الشريفة اللهو إلى قسمين:
الأول: اللهو المشروع الذي أباحته الشريعة، وإطلاق اللهو عليه هو استعمال على نحو المقابلة باللهو الباطل تعليما للناس وتوجيها لهم بان يستبدلوا اللهو الغير مشروع بآخر مشروع، فالإسلام جاء ليغير سلوكيات الناس من عادات وتقاليد الجاهلية إلى عادات وممارسات ينتفع منها الإنسان وتساهم في تكامله وهدايته.
الثاني: اللهو غير المشروع (الباطل) حيث نهت الشريعة عنه وذمت فاعله كما مر علينا في الآيات الكريمة وسنراه في الروايات الشريفة الآتية.
اللهو المشروع (الترفيه والتسلية)[1]:
جاء الإسلام لينقل الإنسان (رجلا كان أو امرأة ) من الضلال إلى الهداية والكمال اللائق به وسخر كافة الأسباب والأشياء لوصوله إلى هذه الغاية العظيمة وليقطع الطريق على الشيطان الرجيم للاستفادة من غفلة الإنسان في ساعات الخلوة واللهو ليضله، ففي هذه الساعات ينسى الإنسان نفسه ويسترسل مع عواطفه وشهواته في لهوه ولعبه مع أقرانه في تلك اللحظات التي يحتاج فيها أن ينفس عن نفسه من مشاغل الحياة ومصاعبها فأباح له ساعات يلهو ويروح فيها عن نفسه وقلبه برياضات مختلفة كالسباحة والرماية والفروسية والقراءة والخط وكتابة الشعر وإنشاده والمفاكهة والمزاح مع الإخوان، على أن الترويح والترفيه -أيّاً كان شكله- ليس هروباً من ضغوطات الحياة كما يتصوره البعض، وإنما هو استعداد وتأهب لمواجهتها من جديد، وليس كما يصفه آخرون أنه تصريف للطاقة الزائدة فيمن ليس له هدف، وإنما هو توظيف نافع وسليم لتلك الطاقة سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة.
ومن شرائط الترويح الذي يشجع الإسلام عليه هو:
1- أن يكون خالياً من المفاسد والمضار والبطلان والحرمة.
2- أن يخلو من الإسفاف[2] والإسراف والاستغراق والذي يستهلك الوقت بأجمعه.
والأفضل أن ينشأ عن الترفيه استثمار لوقت الفراغ بنفع خاص أو عام، لأنه يكره للإنسان أن يكون فارغا لا في عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة.
والروايات الواردة في هذا الشأن كثيرة ومنها:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (خير لهو المؤمن السباحة، وخير لهو المرأة المغزل)[3].
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (عليكم بالرمي فإنه من خير لهوكم)[4].
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (إلهوا والعبوا فإني أكره أن يرى فيكم غلظة)[5].
قال الإمام السجاد (عليه السلام) (إنَّ النَّبيَّ أجْرَى الإبلَ مُقبِلَة مِن تَبوك، فَسَبقَتِ العَضْبَاء عَليهَا أُسَامَة، فَجَعلَ النَّاس يَقولُونَ: سَبَقَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) ورسولُ الله (صلى الله عليه وآله) يقول: سبق أسامة)[6].
قال الإمام السجاد (عليه السلام): (إنَّ رَسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) أجْرَى الخَيلَ وجَعلَ سبقها أوَاقِي مِنْ فِضَّة )[7].
قال الإمام الباقر):(عليه السلام)إنَّ رَسولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله) سَابق بَينَ الخَيلِ، وأعطى السَّوابِق مِنْ عِنْدِهِ )[8].
عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه، قال: دَخَلَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله) ذَاتَ لَيلةٍ بَيتَ فاطمةٍ (عليها السلام)، ومعَهُ الحَسَن والحُسَين (عليهما السلام)، فقَالَ لَهُما النَّبيُّ(صلى الله عليه وآله): (قُومَا فَاصْطَرِعَا) فَقَامَا لِيَصْطَرِعا، وقد خَرَجَتْ فاطمةُ (عليها السلام) في بَعضِ خدمتها، فدَخَلَتْ فسَمِعَتِ النَّبي (صلى الله عليه وآله) وهو يَقُول: (أيهنْ يا حَسَن، شُدَّ على الحُسَينِ فاصْرَعْهُ) فقالَتْ (عليها السلام) لَهُ: (يا أبتِ وأعجباه، أتشجِّع هَذا عَلى هَذا؟! أتشجِّع الكَبيرَ على الصَّغِير)؟ فَقَالَ(صلى الله عليه وآله) لَهَا: (يَا بُنيَّة، أمَا تَرضيْنَ أنْ أقُولَ أنا: يَا حَسَنْ شُدَّ عَلَى الحُسَينِ فَاصْرَعْهُ، وهَذا حَبِيبي جِبْرائِيل يَقول: يَا حُسَين شُدَّ عَلَى الحَسَنِ فَاصْرَعْهُ ؟)[9].
قال الإمام الصادق(عليه السلام): (الرَّمي سَهْمٌ مِن سِهَامِ الإسلام)[10].
اللهو غير المشروع
حيث نهت الشريعة عنه لما فيه من الآثار والإضرار التي تلحق بالفرد وتودي إلى ضياع عمره وهلاكه على أن ما نذكره هنا إنما هو من باب المثال ليس إلا ، وإلا فأمثلة اللهو كثيرة وإن لم تكن ضارة بنظرنا القاصر إلا أنها بمقتضى حكمة الله مما يترتب عليه مفاسد أدت تحريمها.
ومن تلك الروايات التي ذمت اللهو:
روي عن الإمام علي(عليه السلام): (أفضَلُ العَقلِ مُجانَبَةُ اللَّهوِ)[11].
قول الإمام الصادق (عليه السلام) (ومعنى الفسق: فكل معصية من المعاصي الكبار فعلها فاعل، أو دخل فيها داخل بجهة اللذة والشهوة والشوق الغالب، فهو فسق وفاعله فاسق خارج من الإيمان بجهة الفسق، فإن دام في ذلك حتى يدخل في حد التهاون والاستخفاف، فقد وجب أن يكون بتهاونه واستخفافه كافرا)[12].
وقوله (صلى الله عليه وآله) (أما علامة الفاسق فأربعة: اللهو واللغو والعدوان والبهتان)[13].
مصاديق اللهو في الروايات الشريفة:
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (استماع الغناء واللهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع)[14].
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الغناء مما وعد الله عزّ وجلّ عليه النار وتلا هذه الآية: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)[15])[16].
وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (أنهاكم عن الزفن[17] والمزمار وعن الكوبات[18] والكبرات[19])[20].
وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أربع يفسدن القلب وينبتن النفاق في القلب كما ينبت الماء الشجر: استماع اللهو والبذاء واتيان باب السلطان وطلب الصيد)[21].
وعن محمّد بن أبي عمّار- وكان مشتهراً بالسماع وبشرب النبيذ - قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن السماع، فقال: لأهل الحجاز رأي فيه وهو في حيز الباطل واللهو أما سمعت الله عزّ وجلّ يقول: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)[22])[23].
[1] رفّه: أمر من الترفيه أي الإراحة والتخفيف والتّنفيس والتوسيع، أو من رفّه الراعي الإبل إذا أوردها متى شاء، وفي الصحاح: رفهت الإبل بالفتح ترفه رفها ورفوها إذا وردت الماء كلّ يوم متى شاءت والاسم الرّفه بالكسر. ميزان البراعة: ج18، ص82.
[2] أسف الرجل إذا تتبع مداق الأمور والأشياء كأنما يطلب اللقط في التراب.
[3] نهج الفصاحة: ص319.
[4] ميزان الحكمة: ج4، ص183.
[5] نهج الفصاحة: ص105.
[6] وسائل الشيعة: ج13، ص351.
[7] المصدر السابق: ج13، ص350.
[8] المصدر السابق: ج13، ص351.
[9] بحار الأنوار: ج103، ص189.
[10] وسائل الشيعة: ج13، ص348.
[11] موسوعة أهل البيت (عليهم السلام): ج10، ص81.
[12] بحار الأنوار: ج68، ص278.
[13] تحف العقول: ص22.
[14] الكافي: ج6، ص434.
[15] سورة لقمان: آية 6.
[16] الكافي: ج6، ص431.
[17] الزفن: الرقص.
[18] الكوب: الطبل الصغير.
[19] والكَبَر: الطبل.
[20] الكافي: ج6، ص432.
[21] الخصال: ص277.
[22] سورة الفرقان: آية 72.
[23] عيون أخبار الرضا: ج2، ص128.