وأما الكذب مع الإمام (عليه السلام) فمثل قوله في الزيارة: (آخذ بقولكم، عامل بأمركم، مطيع لكم) فمن لا يأخذ بأوامرهم (عليه السلام) ولا يعمل بها مع معرفته لها، ويطيع نفسه وشيطانه، فهو إنسان واضح الكذب.
أو في قوله: (سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم) بينما هو يصادق أعداء الدين ويحبهم، ويعرض عن المؤمنين ويبغضهم.
أو في قوله: (التارك للخلاف عليكم ) ولكنه ليس كذلك في مقام العمل.
إذن ماذا يفعل بالدعاء؟
لو سأل سائل: ماذا يصنع ذلك الإنسان المبتلى بالكذب مع الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) أو مع الإمام (عليه السلام) بالذكر والدعاء؟.
إن الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى شرح مفصل خارج عن وضع هذا الكتيب، لكن يجب أن يعلم - ولو مجملاً- أن الغرض من هذه الإلفاتات المنع من مرض العجب والغرور والرضا بالنفس، حتى لا يطمئن الإنسان بعمله، بل يجهد من خلال هذه التوجيهات في إصلاح عمله وتزكية نفسه، حتى يصل إلى درجات الصادقين ومقاماتهم، لا أن يصبح والعياذ بالله يائساً، ويتخلى عن العمل بحجة أنه ليس من أهل الصدق، فإنه لا شك في أن ذلك من الشيطان، يريد أن يحرمه من درجات القرب الإلهي، ذلك أنه لا أحد في البداية كامل الصدق، إنما من خلال السعي والجهد في تحصيل الصدق يفيض عليه الفيّاض المطلق - الله تعالى - ويوصله إلى هدفه.
ومن أجل دفع اليأس من الدعاء نلفت النظر إلى ما يلي:
من لا يعرف هذه الكلمات - المذكورة في الدعاء والزيارة - فهو في راحة، ذلك أن الكلمات التي يتلوها بعنوان أنها قرآن مجيد، أو الأدعية الواردة عن الأئمة (عليهم السلام)، ويقرأها لمجرد أنها واردة عنهم (عليهم السلام)، لاشك في أن نورانية تلك الكلمات المباركة تترك آثارها عليه ويصل إلى بعض درجات الثواب.
وبالجملة لا تأتي شبهة الكذب في حق أولئك الذين لا يعرفون معنى هذه الكلمات.
أما أولئك الذين يفهمون معاني هذه الكلمات، فيجب أن يعلموا أن هذه المعاني لها مراتب كثيرة ودرجات متفاوتة، وأعلى تلك المراتب وأكملها موجودة لدى المعصومين (عليهم السلام)، وأكثر المؤمنين غير محروم من بعض تلك المراتب، ولذا فالأمل أن لا يكون هناك كذب في البين، مثال ذلك: أن كل المؤمنين لهم مرتبة من مراتب الخوف والرجاء، ذلك أنهما من لوازم الإيمان بالله كما قال سبحانه وتعالى:( وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين)[1].
لكن نتيجة عدم تزكية النفس وقوة الهوى والشهوة يبتلى الإنسان بالمعصية، والتسامح في إطاعة الأوامر الإلهية، كما جاء في دعاء أبي حمزة الثمالي: (اِلهي لَمْ اَعْصِكَ حينَ عَصَيْتُكَ وَأنَا بِرُبُوبِيَّتِكَ جاحِدٌ، وَلا لِوَعيدِكَ مُتَهاوِنٌ، لكِنْ خَطيئَةٌ عَرَضَتْ وَسَوَّلَتْ لي نَفْسي، وَغَلَبَني هَوايَ...).