مساوئ الكذب
إنما حرمت الشريعة الإسلامية (الكذب) وأوعدت عليه بالهوان والعقاب، لما ينطوي عليه من أضرار خطيرة، ومساوئ جمة، والتي منها:
- الفضيحة وذهاب ماء الوجه وانهيار المكانة الاجتماعية للشخص الكاذب فهو باعث على سوء السمعة، وسقوط الكرامة وسلب الثقة منه لدى الناس فلا يُصدّق الكذاب وإن نطق بالصدق، ولا تقبل شهادته، ولا يوثق بمواعيده وعهوده.
- خصائص الكاذب أن ينسى أكاذيبه ويختلق ما يخالفها، وربما لفّق الأكاذيب العديدة المتناقضة، دعماً لكذبة افتراها، فتغدوا أحاديثه هذراً مقيتاً، ولغواً فاضحاً، ومثاراً للانحطاط والسخرية.
- أنّه يجر الإنسان إلى أن يكذب مرّات عديدة أو يرتكب ذنوباً اُخرى للتغطية على كذبته الاُولى أو يرتكب حماقات خطيرة لهذا الغرض.
- أنّه يبيح للشخص الكاذب أن يغطي على خطيئته وإثمه ولو بشكل مؤقت ويتستر على سلوكياته المنحرفة في حين أنّه لو كان يتحرّك من موقع الصدق فإنّه يجد نفسه مضطراً إلى ترك هذه الأعمال القبيحة.
- انّه يدفع بصاحبه إلى أن يسلك في خط النفاق ويصبح من زمرة المنافقين، لأنّ الكذب فرع من فروع النفاق، والكاذب هو الذي يُظهر غير ما يُبطن ويتكلم بخلاف الواقع وبخلاف ما يعلمه في نفسه، فهذا الاختلاف بين الظاهر والباطن سوف يسري بالتدريج إلى سائر أعماله وسلوكياته حتى يُمسـي منافقاً كاملاً. وقد ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: (الكذب يؤدي إلى النفاق)[1].
- ومن مضراته هو أنّه لو كان الشخص يتمتع بلياقات كثيرة وطاقات ايجابية يمكنه استخدامها في حركة التفاعل الاجتماعي فأنّه لو كان كاذباً في هذا المجال فسوف لا يستطيع الناس الاستفادة من لياقاته وطاقاته الإيجابيّة لأنهم سوف يتعاملون معه من موقع الشك والتردد في سلوكياته وكلماته، ولهذا السبب نجد أنّ الروايات الإسلامية اعتبرت الكاذب مثل الميّت حيث ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : (الكذاب والميت سواء، فإن فضيلة الحي على الميت الثقة به، فإذا لم يوثق بكلامه فقد بطلت حياته)[2].
- إنه يضعف ثقة الناس بعضهم ببعض، ويشيع فيهم أحاسيس التوجس والتناكر.
- إنه باعث على تضييع الوقت والجهد الثمينين، لتمييز الواقع من المزيف، والصدق من الكذب.
- إن الكاذب قد يستفيد من الكذب في ارتكاب أعمال قبيحة اُخرى، فالحسود والحاقد والبخيل كل منهم يجد في الكذب وسيلة للتغطية على أعمالهم وسلوكيّاتهم وهكذا الحال في سائر الذنوب الاُخرى، مثلا عندما يأتي إليه شخص ويطلب منه قرضاً فأنّه يكذب عليه ويقول: لقد اقترضت الآن مبلغاً من المال وليس لدي ما أعطيك منه، أو عندما يطلب منه أن يصف شخصاً من الأشخاص فإنّه وبسبب الحسد لا يذكر منه سوى صفاته السلبيّة والحال أنّ ذلك الشخص هو إنسان شريف وثقة.
- وقد يخفى على الكثير ما للكذب من مضرة على الصحة، فقد أثبت العلم الحديث، أن الإنسان عندما يكذب يستهلك دماغه طاقة أكبر مما يستهلكه في حالة الصدق...! (لأن الكذب عملية معقدة فيها التصور... والتخيل... والاختراع... والتركيب... والتأليف...)، وهذا بدوره يؤثر -سلباً- على الذاكرة والقلب وضغط الدم وغيره...!
- وفوق كل ما مرّ فللكذب آثار روحية سيئة، ومغبة خطيرة، أشارت إليها النصوص السالفة والتي منها ابتعاد الملائكة عن الكاذب وحرمانه من صلاة الليل وعدم قبول بعض عباداته... إلى كثير من الآثار السلبية، التي ذُكرت في الروايات، وسطّرتها كتب العلماء، فمنها ما يتسبب في حرمان الإنسان من الرزق ويؤدّي به إلى الوقوع في هوّة الفقر والمسكنة، ففي الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (الكذب ينقص الرزق)[3]. وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (اعتياد الكِذبِ يُورثُ الفَقرَ)[4]، وهذا النقصان في الرزق يمكن أن يكون ناتجاً من أسباب معنوية واجتماعية على حد سواء لأنّ الكذب يسلب اعتماد الناس وثقتهم من هذا الشخص الكاذب، فينعزل اجتماعياً مما يؤثر على نفسيته بشكل سلبي.
[1] ميزان الحكمة: ج3، ص2677.
[2] ميزان الحكمة: ج3، ص2677.
[3] كنز العمال: ج3، ص633.
[4] بحار الأنوار: ج69، ص261.