الأرض لا تقبل القاتل في جوفها
فقد روى المؤرخون حادثة قتل رجل من المسلمين اسمه ملحم لرجل مسلم اخر لعامر: ففي العام الثامن للهجرة أرسل الرسول (صلى الله عليه وآله) ابا قتادة الأنصاري مع ثمانمائة عنصر من جيش الإسلام إلى أصنم قريش وفي الطريق صادفهم عامر بن اضبط وسلم عليهم أي اظهر الإسلام فاكتفى المسلمون بهذا المقدار وحكموا عليه بالإسلام ولم يعترضوه ولكن ملحم بن جثامة ونتيجة للعداوة التي بينهما أيام الجاهلية هجم عليه فقتله واخذ مآله وناقته، بعد ان عاد والتقى رسول الله (صلى الله عليه وآله)نزلت الآية الشريفة (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً)[1] فجاء ملحم إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) ورجاه وتوسل إليه حتى يستغفره له وحيث ان الرسول كان غاضبا كثيرا بعد معرفته لطريقة تعامله مع عامر وكيف قتله بدون جرم قال: لا غفر الله لك، خرج ملحم من عند الرسول (صلى الله عليه وآله)باكيا وكان يمسح دموعه بعباءته حزينا مغموما ولم يمر عليه أسبوع حتى مات، عندما أرادوا دفنه أخرجته الأرض من جوفها ولفظته فعرضوا الأمر على الرسول (صلى الله عليه وآله) فقال صلوات ربي عليه وآله: صحيح ان الأرض قبلت من كان أسوء من ملحم ، ولكن الله سبحانه يريد ان يعظكم ويعرفكم إلى ضرورة احترام العبد المؤمن وفي رواية ثانية، يريد ان يفهمكم عظمة قتل العبد المؤمن.
حكم النبي (صلى الله عليه وآله) في يهودي
(أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [2] جاء في تفسير (مجمع البيان) عن ابن عباس أنه حدث على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن ارتكب يهودي الزنا مع امرأة محصنة، على الرغم من أن ما جاء في التوراة يقضي بالرجم على أمثال هؤلاء، فإنهما لم ينالا عقابا لأنهما كانا من الأشراف، واتفقا على الرجوع إلى رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) ليكون هو الحكم، آملين أن ينالا عقابا أخف. غير أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيد العقاب المعين لهما، فاعترض بعض كبار اليهود على حكم الرسول (صلى الله عليه وآله) وأنكروا أن يكون في اليهود مثل هذا العقاب. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (بيني وبينكم التوراة) فوافقوا، واستدعوا ( ابن صوريا) أحد علمائهم، من فدك إلى المدينة، وعند وصوله عرفه النبي (صلى الله عليه وآله) وسأله: أأنت ابن صوريا؟ قال: نعم. فقال:أأنت أعلم علماء اليهود؟ قال: هكذا يحسبونني، فأمر رسول الله أن يفتحوا أمامه التوراة حيث ذكر الرجم ليقرأه، ولكنه لما كان مطلعا على تفاصيل الحادث قرأ جانبا من التوراة، وعندما وصل إلى عبارة الرجم وضع يده عليها وتخطاها ولم يقرأها وقرأ ما بعدها. فأدرك (عبد الله بن سلام) - الذي كان من علماء اليهود ثم أسلم - مكر ابن صوريا وقام إليه ورفع يده عن الآية وقرأ ما كان قد أخفاه بيده، قائلا: تقول التوراة: على اليهود، إذا ثبت زنا المحصن بالمحصنة رجما. فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)أن ينفذ العقاب بحقهما بموجب شريعتهم، فغضب بعض اليهود، فنزلت هذه الآية بحقهم [3].
خُلق العلماء والصفح الجميل
كان للمرحوم المرجع السيد أبي الحسن الأصفهاني ولد شاب، فاتفق ان طلب منه رجل يسمى: علي القمي، مقداراً من المال، وحيث لم يكن مع السيد حسن الأصفهاني المقدار الكافي من المال أعطاه أقل منه، فأخرج القمي من فوره سكيناً حادّةً وطعنه في صحن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفي صلاة الجماعة وذلك على مرأى من والده ومن الناس، ولأن العملية هذه قد تمّت بسرعة فائقة، لم يستطع أحد من صدّها والحيلولة دون وقوعها، فقد فوجئت الناس بها وسقط الشاب مقتولاً بين أيديهم، ولم يكن من السيد الأصفهاني إلا أن يغضّ الطرف عن الجريمة وعن مرتكبها حتى كأن شيئاً لم يكن، ولذلك لما ألقت الحكومة القبض على القاتل وسجنته، أرسل السيد رسوله إلى الحكومة ليطالبها بالإفراج عنه، ويبلغها قوله: إني عفوت عنه، إنّه كأحد أولادي، وهل يرضى الأب بأن تجتمع عليه مصيبتان في ولده: قتل أحدهم، وسجن الآخر؟ كلا، أفرجوا عن القاتل، فأفرجوا عنه!
حادثة للقتل العمد في عهد النبي
(رجل اسمه (المقيس بن صبابة الكناني ) كان قد وجد قاتل أخيه ( هشام ) في محلة بني النجار، وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله)بهذا الأمر، فبعثه النبي (صلى الله عليه وآله) مع (قيس بن هلال المهري) إلى زعماء بني النجار يأمرهم أن يسلموا قاتل (هشام ) إلى أخيه المقيس وإن لم يكن لهم علم به أو بمكانه فليدفعوا إلى (المقيس) دية أخيه القتيل، فدفع بنو النجار الدية لعدم علمهم بمكان القاتل، فأخذ ( المقيس) الدية وتوجه إلى المدينة مع (قيس بن هلال المهري) إلا أنه في الطريق راودته نعرة من نعرات الجاهلية، فظن أنه قد جلب على نفسه العار بقبوله المال بدل دم أخيه، فعمد إلى قتل رفيق سفره، أي قيس بن هلال الذي كان من قبيلة بني النجار، انتقاما لدم أخيه على حسب ظنه، ثم هرب (المقيس) إلى مكة وارتد عن إسلامه، فاستباح النبي (صلى الله عليه وآله) دم هذا القاتل، أي (المقيس) لخيانته. وبما أن جريمة قتل العمد للإنسان من أعظم وأكبر الجرائم وأخطر الذنوب وان التهاون في مكافحة مثل هذه الجريمة يهدد أمن المجتمع وسلامة أفراده، والأمن الذي يعتبر من أهم متطلبات المجتمع السليم، لذلك فإن القرآن الكريم قد تناول هذه القضية في آيات مختلفة بأهمية بالغة، حتى أنه اعتبر قتل النفس الواحدة قتلا للناس جميعا، إلا أن يكون القتل عقابا لقتل مثله أو عقابا لجريمة الإفساد في الأرض حيث يقول القرآن في هذا المجال: فمن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا.
حادثة قوم موسى والأمر بقتل أنفسهم
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إلى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [4]الجواب مفاد الآية المباركة هو الأمر بقتل مَن عبد العجل من بني إسرائيل وبيان أنَّ قبول توبة من عبدوا العجل لا تكون إلا بإقامة حدِّ القتل عليهم فالمراد من قوله تعالى: (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) هو الأمر بأنْ يقتل بعضُهم بعضاً، فإن موسى (عليه السلام) لما خرج إلى الميقات ورجع إلى قومه وقد عبدوا العجل قال لهم: يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم، فقالوا: فكيف نقتل أنفسنا ؟ فقال لهم موسى: اغدوا كل واحد منكم إلى بيت المقدس ومعه سكين أو حديدة أو سيف فإذا صعدت أنا منبر بني إسرائيل فكونوا أنتم متلثمين لا يعرف أحد صاحبه فاقتلوا بعضكم بعضا، فاجتمعوا سبعين ألف رجل ممن كانوا عبدوا العجل إلى بيت المقدس، فلما صلى بهم موسى (عليه السلام) وصعد المنبر أقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل جبرئيل فقال: قل لهم يا موسى: ارفعوا القتل فقد تاب الله عليكم، فقتل منهم عشرة آلاف، وأنزل الله: ( ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ) وقوله: ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة)، فهم السبعون الذين اختارهم موسى ليسمعوا كلام الله، فلما سمعوا الكلام قالوا: لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة، فبعث الله عليهم صاعقة فاحترقوا ثم أحياهم الله بعد ذلك، وبعثهم أنبياء.[5] فمفاد كلمة (أَنفُسِكُمْ) كمفاد ذات الكلمة في قوله تعالى من سورة النور (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) [6] اي فليسلم بعضكم على بعض، فيسلم الداخل –مثلا- على المقيم، وكذلك هو معنى قوله تعالى: (وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ) [7] فمعنى اللمز هو الطعن بالعيب لغرض التحقير والتصغير فمفاد الآية هو نهي المسلمين عن ان يعيب ويحقر بعضهم بعضا، وهو كذلك معنى قوله تعالى في سورة البقرة مخاطبا اليهود: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ) [8] ، فمعنى (لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ) هو النهي عن ان يسفك بعضهم دم بعض ومعنى قوله تعالى: (وَلا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ) هو النهي عن ان يخرج بعضهم البعض من وطنه ودياره فالقران الكريم أراد الإشارة بقوله تعالى (أَنفُسَكُمْ) بأنهم لُحمة واحدة فمن سفك دم اخيه او بن عمه او جاره فكانه سفك دم نفسه، ومن اخرج بني عمومته من ديارهم فكانه اخرج نفسه او اعان على نفيها من ديارها. وهكذا هو الحال في قوله تعالى: (فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ)[9] فالتعبير عن المكلف بإيقاع القتل مكلف بقتل نفسه لأنه سيقتل واحدا من بني قومه وجلدته ومن ذلك ابتلاء وامتحان للقاتل كما هو
امتحان للمقتول فاما انه امتحان للمقتول فلانه مكلف بالصبر على الاستسلام للقتل واما انه امتحان للقاتل فلانه مكلف بإيقاع القتل على أهله وبني عمومته.