أولا: العقوبة الأخروية
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)[1]
وهي أربع عقوبات أخروية لمرتكب القتل:
1- الخلود في النار: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا.
2- إحاطة غضب الله وسخطه بالقاتل : وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ.
3- الحرمان من رحمة الله : ولعنه الله.
4- العذاب العظيم الذي ينتظره يوم القيامة : وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً والملاحظ هنا أن العقاب الأخروي الذي خص الله به القاتل في حالة العمد، هو أشد أنواع العذاب والعقاب بحيث لم يذكر القرآن عقابا أشد منه في مجال آخر أو لذنب آخر.
ثانيا: العقوبة الدنيوية (القصاص)
قال تبارك وتعالى: (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَه)[2] .
شرع الله في كتابه الكريم القصاص على مرتكب هذه الجريمة فوصف القصاص بأنه حياة، قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[3]، فالعقوبة الإلهية على مرتكب هذه الكبيرة بنحو العمد هي القتل وهذا ما أشارت له الآية الكريمة، ثم فصّل الله تعالى في آيات أخرى تفصيل باقي الجروح فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى)[4]
والقصاص بالكسر هو اسم لاستيفاء مثل الجناية من قتل أو قطع أو ضرب أو جرح ، وأصله اقتفاء الأثر يقال: قصّ أثره إذا تبعه فكأن المقتصّ يتبع أثر الجاني فيفعل مثل فعله، والقصاص إما في النفس أو في الطرف (العضو)، الأوّل: (القَوَد) في النفس وهو - بفتح الواو - القصاص، يقال : أقدت القاتل بالقتيل أي قتلته به، وسمّي قوداً لأنّهم يقودون الجاني بحبل أو غيره، قاله الأزهري. و (موجبه إزهاق البالغ العاقل) أي إخراجه ( النفس المعصومة ) التي لا يجوز إتلافها ( المكافئة) لنفس المزهق لها في الإسلام والحرّيّة وغيرهما من الاعتبارات الآتية (عمداً) قيد في الإزهاق أي إزهاقها في حالة العمد. وللقصاص شرائط معتبرة فيه وهي على نحو الإيجاز خمسة:
الشرط الأوّل: التساوي في الحرّيّة والرقّيّة، فلا يقتل الحرّ بالعبد، بل يقتل بالحرّ مثله، كما في نصّ الكتاب: (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ )[5] .
الشرط الثاني: التساوي في الدين فلا يقتل مسلم بكافر. لنصّ الكتاب الكريم، قال سبحانه: (وَلَنْ يَجْعَلَ الله لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)[6]
الشرط الثالث: أن لا يكون القاتل أباً للمقتول فلو قتل الوالد ولده لم يقتل به مطلقاً بلا خلاف أجده، بل عليه إجماعنا في كلام جماعة. وهو الحجّة; مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة العاميّة والخاصيّة. ففي النبويّ (صلى الله عليه وآله): لا يقاد الوالد بالولد [7]، وفي الصحيح: عن الرجل يقتل ابنه أيقتل به؟ قال: لا [8]، وفي القريب منه سنداً: لا يقاد والد بولده ويقتل الولد إذا قتل والده عمداً [9]. ونحوه أخبار أُخر مستفيضة.
الشرط الرابع: كمال العقل فلا يقاد المجنون بعاقل، ولا مجنون، سواء كان الجنون دائماً أو أدواراً إذا قتل حال جنونه كما في الخبر المروي : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأً كان أو عمداً[10]. وأيضا في الخبر: أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يسأله عن رجل مجنون قتل رجلا عمداً فجعل الدية على قومه، وجعل عمده وخطأه سواء [11].
الشرط الخامس: أن يكون المقتول محقون الدم شرعا أي غير مباح القتل شرعاً، فمن أباح الشرع قتله لزنا أو لواط أو كفر لم يقتل به قاتله وإن كان بغير إذن الإمام، لأنّه مباح الدم في الجملة وإن توقّفت المباشرة على إذن الحاكم فيها ثمّ بدونه خاصّة، ولو قتل مَنْ وجب عليه القصاص غيرُ الوليّ قتل به، لأنّه محقون الدم بالنسبة إلى غيره، فقد روي: عن رجل قتله القصاص له دية، فقال: لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد، وقال: من قتله الحدّ فلا دية له [12].
والقصاص يثبت بأمور:
الأول: الإقرار: ويعتبر في المقرّ البلوغ، والعقل، والاختيار، والحريّة.
الثاني: البينة: وهي شاهدان عدلان، ولا يثبت بشاهد ويمين، ولا بشهادة رجل وامرأتين وإنّما يثبت بذلك أي بكلّ من الشاهد واليمين والشاهد وامرأتين ما يوجب الدية لا القود القتل خطأ ودية الهاشمة والمنقّلة والجائفة وكسـر العظام على تفصيل في كتب الفقه.
الثالث: القسامة: فهي لغة من القسم بالتحريك وهو اليمين. وشرعاً الأيمان التي تقسم على الأولياء في الدم، وقد يسمّى الحالفون قسامة على طريق المجاز لا الحقيقة، وصورتها أن يوجد قتيل في موضع لا يعرف من قتله، ولا يقوم عليه بيّنة ولا إقرار، ويدّعي الوليّ على واحد أو جماعة فيحلف على ما يدّعيه، ويثبت به دم صاحبه [13].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَى بِالْأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ )[14] والمقاصصة لغةً هي تتبع الأثر؛ قال تعالى: (..فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا)[15] وقال: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ .. )[16] وقد مر معنى القصاص وشروطه في الآية السابقة .
[1] سورة النساء: آية 92
[2] سورة المائدة: آية 45.
[3] سورة البقرة: آية 179.
[4] سورة البقرة: آية 178
[5] سورة البقرة: آية 178.
[6] سورة النساء: آية 141.
[7] الروضة ج10 ص 61
[8] مجمع الفائدة 14 : 33
[9] الوسائل 19 : 56 ، الباب 32 من أبواب القصاص ، الحديث 2 ، 1 ، 10 .
[10] الوسائل ج19 ص207 ب11
[11] نفس المصدر
[12] الوسائل 19 : 46 ، الباب 24 من أبواب القصاص ، الحديث 1
[13] رياض المسائل ج14 ص 117
[14] سورة البقرة :آية 178
[15] سورة الكهف: آية 64
[16] سورة القصص: آية 11