القتل في الروايات الشريفة

لما كان القتل من كبائر الذنوب التي توعد الله مرتكبها النار والخلود فيها، لذلك نهت الروايات الشريفة المسلم عن ارتكاب هذه الكبيرة بألسنة مختلفة في التعبير عن عظم هذا الذنب وشدته، ونذكر هنا بعض هذه الروايات، وهي:

1-علة تحريم قتل النفس

روي أن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) أجاب محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: (حرم الله قتل النفس لعلة فساد الخلق في تحليله لو أحل، وفنائهم وفساد التدبير) [1]، إذ القتل فساد للنظام العام للمجتمع وفساد شؤونه وأحواله والقتل فناء للمجتمع

2- قتل النفس من كبائر الذنوب

روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول: الكبائر سبعة: منها قتل النفس متعمدا، والشرك بالله العظيم، وقذف المحصنة، وأكل الربا بعد البينة، والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلما، قال: والتعرب والشرك واحد[2]، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لَزَوال الدنيا أيسر على الله من قتل المؤمن.[3] وما قيمة الدنيا ووجودها في قبال وجود الإنسان المؤمن الذي يوحد الله ويعبده ويقيم حدوده وأوامره ويقف عند نواهيه فإن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة - كما في الخبر- وقد خلق الله الدنيا وما فيها للإنسان، وعن محمد بن علي عن أبيه عن جده (عليه السلام) قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قتل النفس من الكبائر لأن الله تعالى يقول:(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)[4]، ومن عظيم الوعيد والعقوبة يتضح عظيم الذنب الذي هو القتل فالقاتل عليه أن يواجه غضب الله ولعنته وعذابه، وهذا ما لا تقوم له السماوات والأرض فكيف بهذا الإنسان المسكين الضعيف كما ورد في دعاء أمير المؤمنين الذي علمه لكميل.

3-قتل النفس من الذنوب التي تورث الندم:

عن أبي خالد الكابلي يقول: سمعت زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول:.. والذنوب التي تورث الندم: قتل النفس التي حرم الله، قال الله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله)، وقال عز وجل في قصة قابيل حين قتل أخاه هابيل (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين)[5]، فقتل النفس يورث الندامة والخسران في الدنيا والآخرة التي لا تنفك عن صاحبها أبدا.

4- يقال للقاتل مت يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا

 عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في رجل قتل رجلا مؤمنا قال: يقال له: مُت أيَّ ميتة شئت إن شئت يهوديا وإن شئت نصرانيا وإن شئت مجوسيا)[6] فمن يقتل إنساناً مؤمناً كيف يكون مؤمنا بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله) فهو لم يؤمن بشـيء من ذلك أبدا، إذ أن أصل الدين الإسلامي قائم على احترام دم وعرض ومال المسلم، وعدم جواز التعدي عليه، فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله ، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله)[7] ومن تعدى فليختر له دينا يدين الله به يوم القيامة لأنه ما آمن بالله وبما جاء به نبيه صلواته عليه وآله بقتله المؤمن، وفي تعبير الحديث الشـريف هذا، أي: قوله (عليه السلام): مت أيّ ميتة شئت، كناية عن خروجه عن الإسلام، ثم بعد ذلك لا ينفعه أي دين آخر، لأن الدين عند الله الإسلام، فالمراد بهذا التعبير بيان عدم الانتفاع بأي شيء آخر بعد ذلك ويفهم هذا من التخيير بقوله (عليه السلام): إن شئت نصرانياً وإن شئت مجوسياً، أي: فلن ينفعك ذلك شيئاً.

5- أول ما يحكم فيه يوم القيامة الدماء

روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أول ما يحكم الله فيه يوم القيامة الدماء فيوقف ابني آدم فيقضي بينهما ثم الذين يلونهما من أصحاب الدماء حتى لا يبقى منهم أحد ثم الناس بعد ذلك حتى يأتي المقتول بقاتله فيشخب دمه في وجهه فيقول هذا قتلني فيقول أنت قتلته فلا يستطيع أن يكتم الله حديثا)[8] وهذا الحديث يبين عِظم ذنب القتل من جهة، إذ أن الابتداء به في محاسبة الخلائق كاشف عن عظمه، ومن جهة أخرى بيان لعظم عقوبته يوم القيامة قبل الخلود في النار، إذ أن الابتداء به في المحاسبة يعني أن جميع الخلائق موجودون ولم يتم محاسبة أحد وذهابه، فيكون القاتل مفضوحاً على رؤوس الأشهاد وهذا أيضاً من العذاب لمن تدبر الآيات والروايات.

6-قاتل النفس لا يدخل الجنة

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (لا يدخل الجنة سافك الدم ولا شارب الخمر ولا مشاء بنميم )[9]، فهذه الرواية جاءت متوافقة مع الآية التي حددت عقوبة القاتل وهي الخلود في النار، إذ أن النهي فيها مطلق غير مقيد بشيء ومفاده تأبيد منع الدخول إلى الجنة، وهو معنى الخلود في النار.

7- قتل النفس يوجب النار

عن ابن محبوب قال: كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الكبائر كم هي وما هي؟ فكتب: الكبائر: من اجتنب ما وعد الله عليه النار كَفّر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا، والسبع الموجبات: قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين وأكل الربا، والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف[10].

8- قاتل النفس يذوق عذاب ما لو قتل الناس جميعا

 عن حمران قال، قلت: لأبي جعفر الباقر (عليه السلام)، ما معنى قول الله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)[11]، قلت: وكيف (كَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) وإنما قتل واحدا؟ فقال (عليه السلام): يوضع في موضع من جهنم إليه ينتهي شدة عذاب أهلها لو قتل الناس جميعا كان إنما يدخل ذلك المكان، قلت: فإن قتل آخر؟ قال: يضاعف عليه)[12].

وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): ( في قول الله عز وجل ((أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) قال هو واد في جهنم لو قتل الناس جميعا كان فيه ولو قتل نفسا واحدة كان فيه)[13].

9-الكل الشركاء في القتل

فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): لو أن أهل السماوات السبع وأهل الأرضيين السبع اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله عز وجل جميعا في النار[14]، وروي عن النبي(صلى الله عليه وآله): لو أن رجلا قتل بالمشرق وآخر رضي بالمغرب كان كمن قتله واشترك في دمه[15].

أتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقيل له: يا رسول الله قتيل في جهينة، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمشي حتى انتهى إلى مسجدهم قال وتسامع الناس فأتوه فقال (صلى الله عليه وآله): مَنْ قتل ذا؟ قالوا يا رسول الله ما ندري، فقال: قتيل بين المسلمين لا يُدرى مَنْ قتله! والذي بعثني بالحق لو أن أهل السماء والأرض شركوا في دم امرئ مسلم ورضوا به لأكبهم الله على مناخرهم في النار أو قال على وجوههم)[16]، فإنه يستفاد من هذا الحديث الشريف أن لا فرق في حرمة القتيل بين القاتل وسائر شركائه وبأي نوع من الشركة.

فيا ليت المسلمين اليوم يسمعون بقلوبهم قبل آذاهم هذا الحديث الشريف، ويستشعرون بضمائرهم قبل أحاسيسهم هذه المعاني العظيمة التي أراد النبي (صلى الله عليه وآله) بيانها فيه، إشعاراً للمسلمين بعظم هذا الذنب، ولَمَا وصل حال المسلمين إلى ما هم علي من ضعف وتقتيل واستغلال من قبل الكافرين ونهب لخيراتهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: ( إن الرجل ليأتي يوم القيامة ومعه قدر محجمة من دم، فيقول: والله ما قتلت ولا شركت في دم، قال: بلى ذكرت عبدي فلانا فترقى ذلك حتى قُتِل فأصابك من دمه)[17]، وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (يجيء يوم القيامة رجل إلى رجل حتى يلطخه بالدم والناس في الحساب، فيقول: يا عبد الله ما لي ولك؟ فيقول: أعنت علي يوم كذا وكذا بكلمة فقُتلت[18]. فعليك أيها المؤمن التثبت قبل التكلم فقد تكون كلمة تخرج منك تقتل إنسانا فالحذر الحذر من حصائد ألسنتكم.

وعنه (عليه السلام) أيضا (من أعان على مؤمن ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله)[19]. وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): أوحى الله عز وجل إلى موسى (عليه السلام) قل للملأ من بني إسرائيل إياكم وقتل النفس الحرام بغير الحق فمن قتل منكم نفسا في الدنيا قتله الله في النار مائة قتلة مثل قتلته صاحبه.[20]

 قال الباقر (عليه السلام): (يُحشر العبد يوم القيامة وما ندا دماً فيُدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك فيُقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا ربّ!.. إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دماً، فيقول: بلى، سمعتَ من فلان رواية كذا وكذا فرويتها عليه، فنُقلت حتى صارت إلى فلان الجبّار فقتله عليها، وهذا سهمك من دمه)[21] .

10- المقتول يتعلق بقاتله يوم القيامة

عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (ما من نفس تُقتل برة ولا فاجرة إلا وهي تحشر يوم القيامة متعلقة (بقاتله)[22] بيده اليمنى ورأسه بيده اليسرى وأوداجه تشخب دما فيقول يا رب سل هذا فيم قتلني فإن كان قتله في طاعة الله أثيب القاتل الجنة وأذهب بالمقتول إلى النار وإن قال: في طاعة فلان، قيل: له اقتله كما قتلك ثم يفعل الله فيهما بعد مشيئته)[23]، لأن القاتل سلبه حياته ونعمة الله عليه وأزهق روحه، والرواية بمنطوقها: إن الله للمقتول بأخذ حقه من قاتله بأن يذيقه القتل الذي جرعه لغيره، وهذه الرواية كسابقتها في بيان عظم الذنب وفضيحة القاتل إن كان ظالماً ومثوبته إن كان عن حق فيظهر حقانيته بين جميع الخلائق.

 


[1] عيون اخبار الرضا ج2ص98

[2] الكافي ج2 ص 276

[3] روضة الواعظين 461

[4] علل الشرايع ج2 ص 479

[5]  الكافي ج2 ص447

[6] الكافي ج7 ص 273

[7] الخلاف ج 2 ص 509

[8] الكافي ج 7 ص 271 عن الفقيه 4 - 96- 5166

[9] الكافي ج7 ص 273

[10] الكافي ج2 ص 277

[11] سورة المائدة: آية 33

[12] الكافي  7ج / ص271

[13] الفقيه  ج4  ص94 - 5159

[14] جامع احاديث الشيعة ج26 ص142

[15] هداية الامة إلى احكام الائمة ج5 ص575

[16] الفقيه ج 4 ص 97 – 5170

[17]  الكافي ج 7 ص273

[18]  الفقيه ج 4 ص 93 - 5154

[19]  الوسائل ب 5ص491

[20]  جامع احاديث الشيعة ج26 ص98

[21] الكافي 2 ص270   

[22]  بقاتله .. هكذا وردت في اكثر من مصدر

[23]  الكافي ج7  ص272