قيمة الفرد وأهمية حياته من منظور إسلامي

إن الله تعالى شرع الدين الإسلامي الخاتم دستوراً للحياة كما هو طريق للجنة، فكما أن السير عليه يؤدي بالإنسان المؤمن إلى الفوز بالرضوان وسعادة الآخرة، فكذلك الأخذ به في هذه الحياة يكون سبباً للسعادة فيها، يقول تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)[1]

ومن جملة أحكام الإسلام العظيم وتشريعاته الرائعة، احترام الإنسان في نفسه وفي ماله وفي عرضه، بل إعطاؤه القيمة العليا في هذه الحياة الدنيا، يقول تعالى (لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[2]، ولنذكر جملة من الآيات والروايات في المقام:

 قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[3] فمقتضى رحمة الله تعالى ورحمة نبيه أن يشرع فيهم التسامح والتعاطف وحب الآخر واحترامه لا تشريع القتل والبغضاء والتدابر بينهم.

 وقال عز من قائل: (كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا ويُزَكِّيكُمْ ويُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ ويُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)[4] من جملة ما علمه (صلى الله عليه وآله) الأخلاق والآداب العامة حيث قال (صلى الله عليه وآله) (إنّما بُعِثتُ لأُتمِّم مكارم الأخلاق)[5]

وقال سبحانه: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[6]، فمن جملة صفات المحسن – حسب النص القرآني – أن يكون ممن لا يبتغي الفساد في الأرض.

 وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: لله عز وجل في بلاده خمس حرم: حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحرمة آل الرسول، وحرمة كتاب الله عز وجل، وحرمة كعبة الله، وحرمة المؤمن[7]

وهذه الحرمة لا تختص به حال حياته بل هي ثابتة له حتى بعد الممات، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا[8].

ويزداد اهتمام السماء بحرمة الإنسان مع بعض الخصوصيات، فبكاء اليتيم يهتز له العرش فقد روي: إذا بكى اليتيم اهتز له العرش، فيقول الله تبارك وتعالى: من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه في صغره وعزتي وجلالي، وارتفاعي في مكاني، لا أسكتَه عبد مؤمن إلا أوجبت له الجنة[9].

ومن أقوال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (شر الناس من تخاف الناس من شره)[10].

وقال الإمام(عليه السلام): (اتقوا الله في عباده وبلاده).

يقول الإمام علي (عليه السلام): (يَوْمُ الْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ الظَّالِمِ عَلَى الْمَظْلُومِ)[11]، ويكون الظُّلم أكثر بشاعة إذا كان ضحيته الضُّعفاء والفقراء الذين لا يستطعيون مقاومة الظُّلم والدِّفاع عن حقوقهم، يقول الإمام (عليه السلام): (ظُلْمُ الضَّعِيف أَفْحَشُ الظُّلْمِ)[12] ويقول أيضاً: ( وَبُؤسَى لِمَن خَصْمُه عِنْدَ اللهِ الفُقَراءِ وَالْمَسَاكِين )[13] .

وعلى السُّلطة والمجتمع أن يوقفوا الظّالم عند حدّه وأن ينتزعوا حقوق المظلومين من يديه يقول الإمام (عليه السلام): ( لأنْصِفَنَّ الْمَظْلُومَ مِن ظَالِمِهِ، وَلأَقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ، حِتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الْحَقِّ وَإنْ كَانَ كَارِهاً)، ويقول(عليه السلام): (لَنْ تُقَدّس أُمّة لا يُؤخَذ لِلضَّعيفِ فِيهَا حَقَّهُ مِنَ الْقَوِي)[14] .

وقال (عليه السلام) بعد ما سمع بغارات الشاميين على حدود دولته: (وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُم - قوم معاوية - كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَالأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ، فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا، وَقُلْبَهَا، وَقَلائِدَهَا وَرُعُثَهَا، مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالإسْتِرْجَاعِ وَالإسْتِرْحَامِ.. فَلَوْ أَنَّ امْرَءاً مُسْلِماً مَاتَ مِن بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً)[15] .

وفي آخر وصية للإمام علي (عليه السلام) وجّهها لولديه الحسنين C قال: ( كونا للظّالم خصماً وللمظلوم عوناً)[16].

يقول (عليه السلام): (أخذ الله على العلماء ألاّ يقارُّوا على كظّة - تخمة - ظالم، ولا سغب - جوع - مظلوم)[17] .

وبعد هذه الإطلالة على ما ذكرته الآيات الشريفة وألسنة المعصومين (عليهم السلام) في هذا الصدد نود أن نشير إلى أن بني البشر بمقتضى فطرتهم وعقلهم اللذين غرسهما الله تعالى في أنفسهم أيضاً يشعرون بأهمية حياة الإنسان وكرامته، بل إن التجربة الإنسانية الطويلة التي عاشها بنو الإنسان في هذه الحياة بكل آلامها وآمالها أكسبته من الخبرة ما جعله يذعن أخيراً بأحقية الإنسان في العيش وتوفير الفرص التي تضمن له حياة كريمة، فلا يجوز التعدي على شخصه بالقتل أو الظلم، ولا على ماله بالسلب والنهب والسرقة، ولا على عرضه بالهتك، ولا على جملة حقوقه المشتركة مع غيره من بني جنسه بما يسلبه حقه الطبيعي في الحياة في هذه المشتركات كالماء والهواء والغذاء و.... إلخ.

وهذه هي جملة القوانين الاجتماعية التي عرفت فيما بعد بحقوق الإنسان والتي جسدها الإسلام بأحسن بيان بقول النبي : (صلى الله عليه وآله) : مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى)[18]، والذي صار مؤخراً شعاراً لجمعية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة باعتباره أشمل نص يعبر عن ذلك بشكل رائع.

 وهذا ما ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له في وصف بعثة الأنبياء (عليهم السلام) والهدف من بعثتهم بقوله (عليه السلام): (فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكَّروهم منسيّ نعمته ، ويحتجّوا عليهم بالتّبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول)[19] من أن هدف الأديان تحفيز الإنسان ليفكر بمقتضى فطرته، هذه الفطرة التي تكفي لحكمه بأهمية التعايش السلمي وحفظ حقوق الآخرين.

إلا أن بني البشر – وللأسف – نراهم مع ذلك لم يمتنعوا من ظلم بعضهم البعض بكل أشكال الظلم وأبشعها فصدّقوا بذلك قول الملائكة عندما أخبرها الله تعالى:(اِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فتساءلت مستفهمة ربها: (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ)[20]، وهذا الظلم والقتل لبني الإنسان يزعزع من قيمة الفرد في المجتمع ويضعف مكانته فيه، فترى أبناء المجتمع – بعد أن شاع فيهم الظلم والفساد – لا يرون قيمة للآخرين فيتعاملون بعد ذلك على أساس المصلحة الشخصية فقط متناسين مصالح الآخرين، وهنا الطامة الكبرى فعندما يصل المجتمع إلى هذه المرحلة من التفكير لا يستقر حجر على حجر، ولا ينفع أي عمل جماعي بعد ذلك، بل تجد الفساد يعم المجتمع بكل مؤسساته من أصغرها إلى أخطرها، وهو ما نعيشه اليوم في حياتنا، فكل أنواع الظلم والفساد والتقتيل بكل صورها البشعة يجمعها جامع واحد وهو عدم احترام الإنسان وعدم الشعور بقيمته الحقيقية في المجتمع، ومن ثم إعطائه ما يستحقه في هذه الحياة، مع أن هذا المجتمع هو مجتمع إسلامي من المفترض أن ينطلق في سلوكه الفردي والجمعي من مفاهيم الإسلام العظيمة، فكم نرى – للأسف – البعد بين نظرية الإسلام البيضاء الناصعة وواقع المسلمين الأسود الكالح، بل المصيبة العظمى تجد أن المجتمعات التي لا تدين بدين الإسلام كعقيدة دينية يطبقون في حياتهم الدنيا ويؤسسون مجتمعاتهم على أسس الإسلام الرئيسة من الإنسانية والرحمة والمحبة وإعطاء الإنسان قيمته في الحياة، وليس هذا إلا دليلاً على صحة نظرية الإسلام وموافقتها لفطرة الإنسان وملائمتها لواقع الحياة.

لذا – وبهذه المناسبة – ندعو جميع المسلمين، ولا سيما في هذا البلد أفراداً وجماعات، سَوَقة ومسؤولين إلى تطبيق إرادة الله تعالى في هذه الحياة وإعطاء الإنسان حقه وقيمته ومكانته التي رفعه الله إليها، وترك الظلم بكل أشكاله وما يؤدي إليه من القتل وإهلاك الحرث والنسل وإفساد الأرض قال تعالى : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[21]

 


[1] طه: الآيات 124-126.

[2] الإسراء: آية70

[3] الأنبياء: آية 107

[4] النساء: آية 150

[5] مكارم الأخلاق ، للطبرسي / 8 .

[6] الاعراف 56

[7] الكافي ط كمباني ج 7 / 128 ، وجديد ج 24 / 185 ، وص 186

[8] هذا ما تسالم عليه الفريقان ،وجاء في سنن الدارمي في كتاب المناسك : 76 وغيره

[9] فقيه 1 : 119 / 573 .

[10] نهج البلاغة

[11] نهج البلاغة ج4 ص53

[12] نهج البلاغة : الكتاب 31، غرر الحكم : 6054

[13] نهج البلاغة ج3ص 26

[14] نهج البلاغة ج3 ص 102

[15] الإرشاد : 148 ، نهج البلاغة : 69 الخطبة : 27 مختصراً متفرّقاً ، الغارات : 333 ذكر بعضها .

[16] نهج البلاغة : الخطبة 3 ، والكتاب 47 ، والخطبة 136

[17] نهج البلاغة ج1 ص 36

[18] كنز العمال : 765 ، 737 .

[19] الخطبة 1 ، 31  

[20] سورة البقرة: آية 30   

[21] سورة الروم: آية 41