تضرعه وعبادته (عليه السلام)

لقد خلق الله الخلق لغرض العبادة، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)[1]. وقد كان الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) مثالاً كاملاً لتحقيق غرض الله وانموذجاً يحتذى من قبل الناس فكانوا أعبد أهل زمانهم، ومن هؤلاء الأئمة العباد الإمام الباقر(عليه السلام) فقد عرف بالعبادة كغيره من أئمة أهل البيت (عليهم السلام). 

فعن أفلح مولى أبي جعفر (عليه السلام) قال: (خرجت مع محمد بن علي حاجاً، فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته، فقلت: بأبي أنت وأمي إن الناس ينظرون إليك، فلو خفضت[2] بصوتك قليلاً، فقال لي: ويحك يا أفلح لم لا أرفع صوتي بالبكاء لعل الله تعالى أن ينظر إلي منه برحمة فأفوز بها عنده غداً، قال: ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من كثرة دموع عينيه، وكان إذا ضحك قال: اللهم لا تمقتني)[3].

وروى عنه ولده جعفر (عليه السلام) قال: (كان أبي يقول في جوف الليل في تضرعه: أمرتني فلم أئتمر، ونهيتني فلم أنزجر، فها أنا ذا عبدك بين يديك ولا أعتذر )[4].

وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (كان أبي (عليه السلام) كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وإنه ليذكر الله، ولقد كان يُحدِّثُ القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول: لا إله إلا الله، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منا، ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر)[5].

عن إسحاق بن عمار، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (إني كنت أُمهّد لأبي فراشه فانتظره حتى يأتي، فإذا أوى إلى فراشه ونام قمت إلى فراشي، وإنه أبطأ علي ذات ليلة، فأتيت المسجد في طلبه وذلك بعد ما هدأ الناس، فإذا هو في المسجد ساجد، وليس في المسجد غيره، فسمعت حنينه وهو يقول: سبحانك اللهم أنت ربي حقاً حقاً سجدت لك يا رب تعبداً ورقاً، اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، وتب علي إنك أنت التواب الرحيم)[6].

 


[1] سورة الذاريات: آية56.

[2] في بعض النسخ: رفقت، وفي بعضها الآخر: رفعت.

[3]  كشف الغمة للإربلي: ج2، ص329.

[4] كشف الغمة للإربلي: ج2، ص329.

[5] الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص498.

[6] الكافي للشيخ الكليني: ج3، ص323.