أقسام القتل في الفقه الإسلامي

القتل - من وجهة النّظر الحقوقية في الإسلام - على ثلاثة أقسام، قتل العمد، قتل شبه العمد، وقتل الخطأ المحض:

أ- قتل العمد: وهو أن يضرب شخص آخر بآلة قتّالة غالباً، أو غير قتّالة بقصد القتل، قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)[1]، والتعمد: هو القصد إلى الفعل بعنوانه الذي له اختياراً، وحيث إن الفعل الاختياري لا يخلو من قصد العنوان وكان من الجائز أن يكون لفعل أكثر من عنوان واحد، أمكن أن يكون فعل واحد عمديا من جهة، وخطئياً من جهة أخرى لتعدد العنوان، فالرامي إلى شبح وهو يزعم أنه من الصيد، وهو في الواقع إنسان، إذا قتله كان متعمداً إلى الصيد خاطئاً في قتل الإنسان، وكذا إذا ضرب إنساناً بالعصا قاصداً تأديبه فقتلته الضربة، كان القتل قتل خطأ فالمدار على العنوان المقصود دون غيره من العناوين وإن تعددت، وعلى هذا فالذي يقتل مؤمنا متعمدا هو الذي يقصد بفعله قتل المؤمن عن علم بأنه قتل وأن المقتول مؤمن، فعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا آله توبة؟ فقال إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له، وإن كان قتله لغضب أو لسبب شيء من أمر الدنيا)[2].

ب - قتل شبه العمد: وهو أن يضرب شخص آخر بآلة لا تقتل عادة، وبدون قصد القتل، فيموت المضروب اتفاقاً، والحكم هنا أن يدفع القاتل بنفسه الدّية لأولياء المقتول، فقد روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: ( إن ضرب رجل رجلا بعصا أو بحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلم، فهو شبه العمد، والدية على القاتل، وإن علاه وألح عليه بالعصا أو بالحجارة حتى يقتله، فهو عمد يقتل به، وإن ضربه ضربة واحدة فتكلم ثم مكث يوما أو أكثر من يوم ثم مات فهو شبه العمد)[3]

ج - قتل الخطأ المحض: وهو أن لا يقصد الضارب قتل المضروب ولا يستهدف ضربه أصلًا، وإنما استهدف شيئاً آخر فأصابت ضربته المقتول اتفاقاً فقتلته، كأن استهدف صيداً فأصاب إنساناً فقتله، وهنا الحكم كالقسم الثاني وهو الدّية، ولكن القاتل غير مأمور بدفع الدّية من ماله وإنّما العاقلة[4] هي التي تدفع الدّية [5]، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللهِ وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً)[6]، الخطأ - بفتحتين من غير مد، ومع المد على فعال- خلاف الصواب، والمراد به هنا: ما يقابل التعمد لمقابلته بما في الآية التالية (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً)، والمراد بالنفي في قوله:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً)، نفي الاقتضاء أي ليس ولا يوجد في المؤمن - بعد دخوله في حريم الإيمان وحماه - اقتضاء لقتل مؤمن هو مثله في ذلك، أيّ قتل كان إلا قتل الخطأ، والاستثناء متصل فيعود معنى الكلام إلى أن المؤمن لا يريد قتل المؤمن بما هو مؤمن بأن يقصد قتله مع العلم بأنه مؤمن، ونظير هذه الجملة في سوقها لنفي الاقتضاء قوله تعالى:(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله)[7]، وقوله:(مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا)[8]، وقوله:(فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ)[9] إلى غير ذلك.

والآية مع ذلك مسوقة كناية عن التكليف بالنهي التشـريعي[10]بمعنى: أن الله تعالى لم يُبح قط، ولا يبيح أبدا أن يقتل مؤمن مؤمنا وحرم ذلك إلا في قتل الخطأ، فإنه لما لم يقصد هناك قتل المؤمن، إما لكون القتل غير مقصود أصلا، أو قُصد ولكن بزعم أن المقتول كافر جائز القتل مثلا، فلا حرمة مجعولة هناك[11].

روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال:(سألته عن الخطأ الذي فيه الدية والكفارة أهو أن يتعمد ضرب رجل ولا يتعمد قتله؟ قال: نعم، قلت: رمى شاة فأصاب إنسانا؟ قال: ذلك الخطأ الذي لا شك فيه، عليه الدية والكفارة)[12]، وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال:(قلت له أرمي الرجل بالشيء الذي لا يقتل مثله؟ قال: هذا خطأ، ثم أخذ حصاة صغيرة فرمى بها، قلت: أرمي الشاة فأصابت رجلا؟ قال: هذا الخطأ الذي لا شك فيه، والعمد الذي يضرب بالشيء الذي يقتل بمثله)[13].

 


[1] سورة النساء: آية 93

[2]  التهذيب ج 10 ص 165 - 38 - 1

[3] التهذيب ج 10 ص 157 -7 - 1

[4] وهم عصبة الرجل من تقرب بالأبوين أو الأب كالأخوة وأولادهم وإن نزلوا والعمومة وأولادهم كذلك(الاصطلاحات الفقهية في الرسائل العملية).

[5]- جواهر الكلام : ج 43 ، ص 32

[6] سورة النساء: آية 92

[7] سورة الشورى: آية 51.

[8] سورة النمل: آية 60. 

[9] سورة يونس: آية 74 . 

[10] ومعنى هذه العبارة: أن الآية ليست صريحة في التكليف إذ أنها ليست أمراً أو نهياً ليستفاد منها التشريع بالحركة أو الوجوب ولكنها مع ذلك يستفاد منها الحكم التكليفي وهو النهي التشريعي عن مقتل الإنسان، وذلك بأسلوب الكناية، والمقصود أن الاسلوب وان كان اخباراً ليس تشريعاً إلا أن المراد به الكناية من التشريع، والمعروف أن الكناية ابلغ من التصريح.

[11] الميزان ج5 ص 39

[12] التهذيب ج 10 ص 156 - 3 - 1

[13] المصدر السابق: ص 157 - 10 - 1