بواعث الغيبة

الأسباب الباعثة على الغيبة كثيرة، ونحن نشير إليها مفصلة:

الأول: تشفي المغتاظ وذلك إذا غضب على شخص لسبب ما، فإنه إذا هاج غضبه يتشفى بذكر مساوئ هذا الشخص، وسبق اللسان إليه بالطبع إن لم يكن عنده دين وورع، وقد يمتنع من تشفي الغيظ عند الغضب فيتحقق في الباطن فيصير حقدا ثابتا فيكون سببا دائما لذكر المساوئ فالحقد والغضب من البواعث العظيمة على الغيبة.

الثاني: موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم على الكلام فإنهم إذا كانوا يتفكهون بذكر الأعراض، فيرى أنه لو أنكر أو قطع المجلس استثقلوه ونفروا عنه، فيساعدهم ويرى ذلك من حسن المعاشرة ويظن أنه مجاملة في الصحبة، وقد يغضب رفقاؤه فيحتاج إلى أن يغضب لغضبهم؛ إظهارا للمساهمة في السراء والضراء، فيخوض معهم في ذكر العيوب والمساوئ، فيهلك معهم، وباعث ذلك صغر النفس وضعفها.

الثالث: أن يستشعر من إنسان أنه سيقصده ويطول لسانه فيه أو يقبّح حاله عند شخص محترم لا يرغب في ذكر عيوبه أمامه، أو يشهد عليه بشهادة، فيبادر قبل ذلك ويطعن فيه؛ ليسقط أثر شهادته وفعله، أو يبتدئ بذكر ما فيه صادقا ليكذب عليه بعده فيروج كذبه بالصدق الأول ويستشهد به، فيقول ما من عادتي الكذب فإني أخبرتكم بكذا وكذا من أحواله فكان كما قلت، وهذا منشأه الجبن وضعف النفس.

الرابع: أن يُنسب إليه شيء من القبائح، فيريد أن يتبرأ منها بذكر الذي فعله، وكان اللازم عليه أن يبرئ نفسه منها، ولا يتعرض للغير الذي فعله، وقد يذكر غيره بأنه كان مشاركا له في الفعل، ليتمهد بذلك عذر نفسه في فعله، وربما كان منشأ ذلك صغر النفس وخبثها.

الخامس: إرادة الافتخار والمباهاة وهو أن يرفع نفسه بتنقيص غيره فيقول فلان جاهل وفهمه ركيك وكلامه ضعيف، وغرضه أن يثبت في ضمن ذلك فضل نفسه ويريهم أنه أفضل منه، أو يحذر أن يعظم مثل تعظيمه فيقدح فيه لذلك.

السادس: الحسد وهو أنه ربما يحسد من يثني الناسُ عليه ويحبونه ويكرمونه، فيريد زوال تلك النعمة عنه فلا يجد سبيلا إليه إلا بالقدح فيه، فيريد أن يسقط اعتباره عند الناس، حتى يكفوا عن إكرامه والثناء عليه لأنه يثقل عليه أن يسمع ثناء الناس عليه وإكرامهم له وهذا هو الحسد، والحقد والحسد قد يكون مع الصديق المحسن والقريب الموافق.

  السابع: اللعب والهزل وقضاء الوقت بالضحك فيذكر غيره بما يُضحك الناس عليه، ومنشؤ هذا الفعل السخرية من الآخرين والاستهزاء بهم.

 الثامن: السخرية والاستهزاء استحقارا له فإن ذلك قد يجري في الحضور فيجري أيضا في الغيبة ومنشؤه التكبر واستصغار المستهزئ.

 التاسع: الرحمة، وهو أن يحزن ويغتم بسبب ما ابتلي به غيره فيقول المسكين فلان قد غمّني ما ارتكبه من القبح، أو ما حدث به من الإهانة والاستخفاف! فيكون صادقا في اغتمامه، إلا أنه لما ذكر اسمه وأظهر عيبه صار مغتابا، وقد كان له الاغتمام بدون ذكر اسمه وعيبه ممكنا، فأوقعه الشيطان فيه ليبطل ثواب حزنه ورحمته.

 العاشر: الغضب لله تعالى فإنه قد يغضب على منكر قارفه إنسان فيظهر غضبه ويذكر اسمه ليبطل به على غير وجه النهي عن المنكر وكان الواجب أن يظهر غضبه عليه على ذلك الوجه خاصة. وهذا مما يقع فيه الخواص أيضا فإنهم يظنون أن الغضب إذا كان لله تعالى كان عذرا كيف كان وليس كذلك[1].

هذا وقد روي عن مولانا الصادق (عليه السلام) التنبيه عليها إجمالا بقوله(عليه السلام): (أصل الغيبة تتنوع بعشـرة أنواع: شفاء غيظ، ومساعدة قوم، وتصديق خبر بلا كشف، وتهمة، وسوء ظن، وحسد، وسخرية، وتعجب وتبرم، وتزين...)[2].

 


[1] كشف الريبة عن أحكام الغيبة، الشهيد الثاني: ص26.

[2] مستدرك الوسائل: ج9، ص117.