لماذا كانت الغيبة من أعظم المعاصي

مما تقدم في الأحاديث السابقة يظهر جلياً أن الغيبة من أشد المعاصي والذنوب وهذا قد يدعو لأول وهلة إلى التساؤل عن سبب تعظيم هذا الذنب وجعله أعظم من غيره؟

وفي مقام الجواب نقول: إن السبب الموجب للتشديد في أمر الغيبة وجعلها أعظم من كثير من المعاصي الكبيرة هو اشتمالها على المفاسد الكلية المنافية لغرض الحكيم سبحانه بخلاف باقي المعاصي فإنها مستلزمه لمفاسد جزئية.

بيان ذلك: إن المقاصد المهمة للشارع هي اجتماع النفوس على هم واحد وطريقة واحدة وهي سلوك سبيل الله بسائر وجوه الأوامر والنواهي ولا يتم ذلك إلا بالتعاون والتعاضد بين أبناء النوع الإنساني، وذلك يتوقف على اجتماع همهم وتصفية بواطنهم واجتماعهم على الألفة والمحبة حتى يكونوا بمنزلة عبد واحد في طاعة مولاه، ولن يتم ذلك إلا بنفي الضغائن والأحقاد والحسد ونحوه.

ولمّا كانت الغيبة من كل منهم لأخيه مثيرة لضغنه ومستدعية منه لمثلها في حقه لا جرم كانت ضد المقصود الكلي للشارع وكانت مفسدة كلية؛ فلذلك أكثر الله ورسوله من النهي عنها والوعيد عليها.[1] هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنها - كما تقدم في أول آية عرضناها- من مصاديق إشاعة الفاحشة، وإشاعة الفاحشة من أشد الأشياء خطورة على المجتمع، إذ بسببها يتعود المجتمع على فعل المنكرات والقبائح، فيتحول المجتمع تدريجياً من مجتمع مؤمن محصن من المعاصي إلى مجتمع تنخر فيه الفواحش، وهذا موت للإيمان في النفوس وإحياء السنن الجاهلية وكل هذا سببه معصية الغيبة، فكيف لا تكون من أعظم المعاصي؟

 


[1] كشف الريبة عن أحكام الغيبة للشهيد الثاني: ص13.