الغيبة في الروايات

ورد في الروايات الشريفة الصادرة عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ذم عظيم للغيبة، ووصفت المغتاب بأوصاف عجيبة، نذكر فيما يلي بعض هذه الأخبار:

1- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه)[1]، وهذا التشبيه في الرواية يصف الغيبة بأنها تأكل دين الإنسان إذ أن المغتاب -كما ورد في بعض الروايات- يعطي من حسناته لمن اغتابه ليرضيه يوم القيامة أو يأخذ من سيئات من اغتابه وعلى كل حال فهو نقصان من دينه. 

2- وقال(صلى الله عليه وآله): (تحرم الجنة على ثلاثة على المنّان، وعلى المغتاب، وعلى مدمن الخمر)[2]، وعبارة: (تحرم الجنة) فيه من الشدة ما لا يخفى، إذ أن تحرم هنا بمعنى تمتنع الجنة فلا يدخلها كل واحد من هؤلاء. 

3- وقال (صلى الله عليه وآله): (من اغتاب مؤمنا، فكأنما قتل نفسا متعمدا)[3]، وهذا التشبيه لتشنيع الفعل وبيان شدته.

4- وقال (صلى الله عليه وآله): (من اغتاب مسلما أو مسلمة، لم يقبل الله تعالى صلاته ولا صيامه أربعين يوما وليلة، إلا أن يغفر له صاحبه)[4]. وعدم قبول الصلاة والصيام مع أدائهما طبعاً كما ورد في شارب الخمر.

5- وقال (صلى الله عليه وآله): (يؤتى بأحد يوم القيامة يوقف بين يدي الله، ويدفع إليه كتابه فلا يرى حسناته، فيقول: إلهي ليس هذا كتابي فإني لا أرى فيها طاعتي، فقال: إن ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتياب الناس، ثم يؤتى بآخر ويدفع إليه كتابه فيرى فيها طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابي فإني ما عملت هذه الطاعات، فيقول: إن فلانا اغتابك، فدفعت حسناته إليك)[5]، وهذا من أشد العقوبات للمتأمل، إذ يكفي كلمة واحدة تصدر من الإنسان في حق أخيه لتنقل حسناته إليه وتنتقل سيئات ذلك الشخص إلى المغتاب، ولا ندري بعد ذلك ما هي سيئاته إذ قد تكون مما يوجب الدخول في النار والعياذ بالله.

6- وقال (صلى الله عليه وآله): (كذب من زعم أنه ولد من حلال، وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة، اجتنبوا الغيبة فإنها إدام كلاب النار)[6]، وفي هذا من التشنيع والتفظيع ما لا يحتاج إلى بيان.

7- وعن أبي ذر(رضي الله عنه)، عن النبي (صلى الله عليه وآله) في وصية له قال: (يا أبا ذر إياك والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا، قلت: ولم ذاك يا رسول الله قال: لأن الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها، يا أبا ذر سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه من معاصي الله، وحرمة ماله كحرمة دمه...)[7].

8- وفي خبر معاذ الطويل المشهور عن النبي (صلى الله عليه وآله): (إن الحَفَظَة تصعد بعمل العبد وله نور كشعاع الشمس حتى إذا بلغ السماء الدنيا والحفظة تستكثر عمله وتزكيه فإذا انتهى إلى الباب قال الملك الموكل بالباب اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا صاحب الغيبة أمرني ربي أن لا أدع عمل من يغتاب الناس يتجاوزني إلى ربي)[8].

9- وقال (صلى الله عليه وآله): (إن عذاب القبر من النميمة، والغيبة، والكذب)[9].

10- وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة عبادة ما لم يُحدث، قيل: يا رسول الله وما يحدث؟ قال: الاغتياب)[10].

11- وعن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: (ترك الغيبة، أحب إلى الله عز وجل من عشرة آلاف ركعة تطوعا)[11].

13- وفي رواية إن ريحا منتنة هاجت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال (صلى الله عليه وآله): (إن أناسا من المنافقين اغتابوا ناسا من المسلمين، فلذلك هاجت)[12]، وهذا من الأحاديث التي تبين الأثر التكويني المترتب على بعض الذنوب، حيث ورد في الحديث المروي عن الإمام الكاظم (عليه السلام): (كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدون)[13] وغيره مما يثبت ذلك.

14- وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مررت ليلة أسري بي، على قوم يخمشون وجوههم بأظفارهم، فقلت: يا جبرئيل من هؤلاء؟  فقال: هؤلاء الذين يغتابون الناس، ويقعون في أعراضهم)[14].

15- وقال (صلى الله عليه وآله): (رأيت ليلة الإسراء رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار، قيل: من هم؟ قال: الذين يغتابون الناس)[15].

16- وعنه (صلى الله عليه وآله)، قال: (إني لأعرف أقواما تَدخُلُ النارُ في أفواههم وتخرج من أدبارهم، يسمع لها في بطونهم دوي كالسيل، فقيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يغتابون الناس)[16].

17- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) -في حديث المناهي- أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن الغيبة والاستماع إليها ونهى عن النميمة والاستماع إليها، وقال: (لا يدخل الجنة قتات،-يعني: نماما-، ونهى عن المحادثة التي تدعو إلى غير الله، ونهى عن الغيبة، وقال: من اغتاب امرأً مسلما بطل صومه، ونقض وضوءه، وجاء يوم القيامة يفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتأذى به أهل الموقف، وإن مات قبل أن يتوب مات مستحلا لما حرم الله عز وجل...)[17].

18- وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن الله يبغض البيت اللحم، واللحم السمين قال: فقيل له: إنا لنحب اللحم، وما تخلو بيوتنا منه، فقال: ليس حيث تذهب، إنما البيت اللحم البيت الذي تؤكل فيه لحوم الناس بالغيبة، وأما اللحم السمين فهو المتبختر المتكبر المختال في مشيه)[18].

19- عن الإمام الصادق (عليه السلام) - في حديث- أنه قال: (فمن لم تره بعينك يرتكب ذنبا ولم يشهد عليه عندك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة، وإن كان في نفسه مذنبا، ومن اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله تعالى ذكره داخل في ولاية الشيطان، ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه، (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة أبدا، ومن اغتاب مؤمنا بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما، وكان المغتاب في النار خالدا فيها وبئس المصير)[19].

20- قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن لله تبارك وتعالى على عبده المؤمن أربعين جُنَّة، متى أذنب ذنباً كبيراً رُفِع عنه جُنَّة، فإذا اغتاب أخاه المؤمن بشيء يعلمه منه، انكشفتْ تلك الجُنن عنه، ويبقى مهتوك الستر فيُفتضح في السماء على ألسِنة الملائكة، وفي الأرض على ألسِنة الناس، ولا يرتكب ذنبا إلا ذكروه، وتقول الملائكة الموكّلون به: يا ربنا قد بقي عبدك مهتوك الستر، وقد أمرتنا بحفظه، فيقول عز وجل: ملائكتي لو أردت بهذا العبد خيرا ما فضحته، فارفعوا أجنحتكم عنه)[20].

21- قال الإمام الصادق (عليه السلام): (...أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران، على نبينا وآله و(عليه السلام): المغتاب هو آخر من يدخل الجنة إن تاب، وإن لم يتب فهو أول من يدخل النار...)[21].

22- فيما أوحى الله تعالى إلى داود (عليه السلام): ([يا داود] نُحْ على خطيئتك كالمرأة الثكلى على ولدها، لو رأيت الذين يأكلون الناس بألسنتهم، وقد بسطتها بسط الأديم، وضربت نواحي ألسنتهم بمقامع من نار، ثم سلطتُ عليهم موبِّخا لهم يقول: يا أهل النار هذا فلان السليط فاعرفوه)[22].

وما مرّ في مضامين هذه الأحاديث الشريفة عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) من أعظم ما يوصف به ذنب من الذنوب، وهو دليل على عِظم الغيبة عند الله وسوء عاقبتها في الدنيا والآخرة، فلابد من تطهير ألسنتنا منها ثم تطهير مجتمعاتنا شيئاً فشيئاً من هذا الداء الخطير.

 


[1] الكافي: ج2، ص357.

[2] وسائل الشيعة: ج12، ص281.

[3] مستدرك الوسائل: ج9، ص125.

[4] جامع الأخبار: ص171.

[5] المصدر السابق.

[6] جامع الأخبار: ص172.

[7] أمالي الطوسي: ج2، ص150.

[8] المحجة البيضاء: ج6، ص142.

[9] جامع الأخبار: ص172.

[10] الكافي: ج2، ص357.

[11] بحار الأنوار: ج 75، ص261.

[12] مستدرك الوسائل: ج9، ص125. 

[13] تحف العقول: ص410.

[14] مجموعة ورام: ص115.

[15] مستدرك الوسائل: ج9، ص126.

[16] المصدر السابق: ج9، ص125.

[17] وسائل الشيعة: ج12، ص282.

[18]  وسائل الشيعة: ج12، ص284.

[19] وسائل الشيعة: ج12، ص285.

[20] الاختصاص: ص220.

[21] مصباح الشريعة: ص274.

[22] عدة الداعي: ص32.