معنى الغيبة ومواردها

الغيبة: هي أن يذكر المؤمن بعيب في غيبته، والظاهر اختصاصها بصورة وجود سامع يُقصد إفهامه وإعلامه أو ما هو في حكم السامع، كما لو سُجل الكلام لكي يسمعه شخص بعد ذلك، وهي من أخسّ السجايا، وألأم الصفات، وأخطر الجرائم والآثام.

وقد عرّف الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الغيبة عندما سأله أبو ذر قائلاً: (...يا رسول الله وما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره قلتُ: يا رسول الله فإن كان فيه الذي يُذكر به، قال: اعلم أنك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته)[1].

وقال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): (من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لم يعرفه الناس فقد اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته)[2].

وبناء على هذه الروايات وروايات أخرى غيرها، فإذا كان العيب الموجود في المؤمن غير خفي على السامع وغيره، فإنَّ نقله ليس غيبة، وإن دخل تحت عنوان المذمة والإيذاء والاستخفاف بالمؤمن- إن كان يؤذيه نقله- ولذا فهو حرام من جهة هذه العناوين الأخرى، والشيخ الأنصاري بعد أن نقل كلمات أهل اللغة والروايات في معنى الغيبة، والتحقيق في أطراف ذلك ذكر كلاما خلاصته: أن مصاديق الغيبة ثلاثة:

الأول: ما كان غيبة قطعا وبنحو متفق عليه.

الثاني: ما كان الظاهر أنه غيبة.

الثالث: ما كان الظاهر أنه ليس من الغيبة.

أما القسم الأول: فهو إظهار العيب الشرعي أو العرفي المستور عن السامع والذي لا يرضى صاحبه بكشفه، وكان قصد المغتاب الانتقاص من هذا الشخص بكشف عيب خفي فيه، فإنه غيبة قطعا ومن الذنوب الكبيرة.

وأما القسم الثاني: فهو ذكر العيب الخفي عند شخص لا بقصد الذم والانتقاص بل لغرض آخر كالتفكّه أو الاستشهاد به أو من باب الشفقة على صاحبه، ولا شك في أن ذلك حرام، والذي يظهر من الروايات أنه من موارد الغيبة ومصاديقها أيضاً.

وأما القسم الثالث: فهو ذكر عيب شخص لآخر يعلم بوجود ذلك العيب، وظاهر بعض الروايات أن ذلك خارج من عنوان الغيبة وإن كان يستفاد من روايات أخرى أن ذلك غيبة أيضا.  وهنا إذا كان المغتاب يقصد الانتقاص والمذمّة فلا شك في حرمة ذلك وإن كان اعتباره غيبة محل شك، وذلك لأن نفس هذا النقل يوجب الإيذاء والتوهين للمؤمن ولا شك في حرمته.

وإن لم يكن قصد المغتاب الانتقاص والمذمّة لكن يتحقق ذلك قهرا كأن يصفه بألقاب وأوصاف ذميمة كما لو قال: إنه ابن يهودي، أو أمه فاحشة، فذلك حرام أيضاً كما جاء النهي عن التنابز بالألقاب: (وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ)[3].

 


[1] أمالي الطوسي: ج2، ص150.

[2] وسائل الشيعة: ج8، ص604.  

[3] سورة الحجرات: آية11.