ميزان التفريق بين الغناء المحرم وغيره

إن الضابطة التي على أساسها يمكن للسامع أن يفرِّق بين الغناء وغيره هي:

أن تكون الألحان المتعارفة عند أهل اللهو مقترنة بكلام لا يعد عند العقلاء إلا باطلا، لعدم اشتماله على المعاني الصحيحة، بحيث يكون لكل واحد من اللحن وبطلان المادة مدخل في تحقق معنى الغناء والاستماع له، ومثاله الألفاظ المصوغة على هيئة خاصة المشتملة على الأوزان والسجع والقافية، والمعاني المهيجة للشهوة الباطلة والعشق الحيواني من دون أن تشتمل على غرض عقلائي، بل قد لا تكون كلماتها متناسبة، كما تداول ذلك كثيرا بين شبان العصر وشاباته، وقد يقترن بالتصفيق، وضرب الأوتار وشرب الخمور، وهتك أعراض الناس، وغيرها من الأمور المحرمة.

هذا هو المقدار الثابت من الغناء المحرم، وتلحق به الألحان المتعارفة عند أهل اللهو واللعب المشتملة على المعاني الراقية، كالقرآن ونهج البلاغة والأدعية ونحوها على الأحوط وجوباً.

وربما نستطيع القول أن التغني بهذه الأمور المعظمة وما أشبهها أبغض، لكونها هتكا للدين، بل قد ينجر إلى الكفر والزندقة، ومن هنا نُهِيَ في بعض الأحاديث عن قراءة القرآن بألحان أهل الفسوق والكبائر، فعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر فإنه سيجيئ من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية)[1].

ومن هذا القبيل ما ذكر في غناء جواري الأنصار: عن عبد الأعلى قال: (سألت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) عن الغناء وقلت: إنهم يزعمون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رخص في أن يقال: جئناكم جئناكم حيُّونا حيُّونا نحيِّكم فقال: كذبوا إن الله عز وجل يقول:(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ* لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ* بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) ثم قال: ويل لفلان مما يصف رجل لم يحضر المجلس)[2].

فان التكلم العادي بذلك ليس من المحرمات في الشريعة المقدسة، بل هو مطلوب، لكونه مصداقا للتحية والإكرام، وإنما يكون حراما إذا تكيَّف في الواقع بكيفية لهوية، وظهر في صورة الغناء.

 


[1] الكافي: ج2، ص614.

[2] الكافي: ج6، ص433.