الغضب من طبائع الإنسان وهي تختلف باختلاف السبب الموجب لها، فما مضى من ذكر للغضب المستهجن إنما هو الغضب المسبَّب عن الحمية، وهو تغيّر حاد في الطبع ومن آثاره تغير الوجه وتحرك نحو القضايا السلبية في الغالب، وهناك نوع آخر من الغضب ينشأ بموجب الحكمة لا الحمية، فيكون بذلك ممدوحاً، بل وينسب إلى الله تعالى فيكون بمعنى حصول منشأ الغضب من المعاصي ونحوها إذ أن الله تعالى يستحيل عليه التبدل والتحول والانفعال، فلا يوصف به إلا بهذا المعنى، كما في الحديث: (إن الله يغضب لغضب فاطمة...)[1].
والغضب الذي توجبه الحكمة جنس من العقوبة، في مقابل الرضا، وهذا الغضب يتصف به الله تعالى ذكره قال سبحانه:
ومنه قوله تعالى في كتابة الكريم: (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)[2]. وآسفونا أي أغضبونا، وأما في غيره تعالى فيكون في الأنبياء والأوصياء والصالحين فيعبر عن الانتصار للدين والحق قال تعالى في وصف نبيه موسى (عليه السلام): (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)[3]، فهذا وأمثاله الذي مصدره الحكمة والتنمر للدين من الغرائز التي مدحها أهل الشريعة، فهي تبعث صاحبها على التضحية والفداء، في سبيل أهدافه الرفيعة، ومثله العليا، كالذود عن العقيدة، وصيانة الأرواح، والأموال والكرامات ومتى تجرد الإنسان من هذه الغريزة صار عرضة للهوان والاستعباد، بل ذموا تاركها كما قيل: (من استُغضِب فلم يغضب فهو حمار)[4].
فالاتصاف به من اللوازم الممدوحة وإن أطلق عليه اسم الغضب، كما روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (كان لا تغضبه الدنيا وما كان منها فإذا تعدى الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها)[5]. ولا ريب أن الغضب الذي يحصل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن غضباً مذموماً، بل كان غضباً ممدوحاً يقتضيه منصب النبوة، وتوجيه الشجاعة النبوية.
فيستنتج من ذلك: أنّ الغضب المذموم ما يخرج به الإنسان عن ضوابط العقل والشرع، ويكون لأمر دنيوي أو شخصي لا يمت إلى الحق والدين بصلة، أما المعتدل فهو كما عرفت، من الفضائل المشرّفة، كالغضب على المنكرات، والتنمّر في ذات اللّه تعالى.[6]