أحكام الإسلام لمّا كانت صادرة من الله تبارك وتعالى المشرّع الحكيم فهي كُلٌّ واحد يُكمِّل بعضُه بعضاً، وبهذا التكامل بين الأحكام الشرعية والأخلاقية التي جاء بها الإسلام العظيم يحصل الإنسان على التكامل والرُّقي في هذه الحياة، ومن ثَمّ الفوز في الآخرة بالجنّة والرضوان، وكنموذج لهذا التكامل بين أحكام الله تعالى التي شرعها لحكمة منه وعلم بالمصلحة، وما ينفع الإنسان كفرد أو مجتمع، هو الأحكام المتعلقة بالحجاب وغض البصر.
جهة أوجب على المرأة والرجل-كلٌّ بحسبه- ستر مناطق بدنه عن الطرف الآخرة.
جهة أخرى أوجب على كل منهما غض البصر وعدم النظر الى الآخر بشهوة أو ريبة.
تأملنا هذين الحكمين لوجدنا بينهما تمام الملائمة وغاية التكامل ومجموعهما يصب في مصلحة الفرد نفسه بالدرجة الأولى، ومصلحة المجتمع بالدرجة الثانية، وهذا التكامل والملائمة يظهر بتأمل النقاط الآتية:
1- إن من أهم مقاصد الشريعة حفظ المجتمع من الإنفلات والتميّع والانحلال الأخلاقي، عن طريق إشاعة المحرمات والتجاهر بها.
2- إن الشارع لتحقيق هدفه هذا شرّع مجموعة عن الأحكام وجعلها سداً منيعاً يمنع من الوصول الى هذه الحالة في المجتمع.
3- إن من جملة ما شرّعه من الأحكام ما يكون مكملاً بعضه للبعض الآخر ومعززاً للعمل به، أو يكون بديلاً له في حال الإخلال بالآخر.
فعند الأخذ بكل الأحكام تكون الحصانة بأعلى صورها، وعند ترك أحدها يبقى المجمع محصناً بوجود الآخر، وهكذا فهناك مستويات مختلفة من الأحكام تضمن عدم الوقوع في المفسدة، وهذا الترتب والطولية، أو قل: تقوية بعض الأحكام لبعض، إنما يشرّعه الله تبارك وتعالى في ما يشخصه من أهمية الأمر وأهمية المحافظة عليه، فكلما كانت المصلحة أو المفسدة كبيرة بشكل يرى أنه لا بد من المحافظة على الأولى أو الامتناع عن الثانية بشكل مؤكّد ولازم، شرّع ما يحقق ذلك للفرد المسلم، ليضمن له تحصيل المنفعة واجتناب المفسدة، وكل ذلك تلطف منه سبحانه بعبده لكي يحصل على ما ينفعه ويجتنب ما يفسده.
وفي مورد الكلام إذا فرض أن أحداً ما لم يلتزم بالستر الكامل المفروض عليه، فلا يؤدي مجرد ذلك الى الوقوع في المفسدة لباقي أفراد المجتمع- وإن حصلت المفسدة لهذا الفرد - فإن التشريع الآخر وهو وجوب غض النظر عما يحرم النظر إليه يحصن باقي الأفراد من الوقوع في المفسدة، وهكذا العكس فلو زلت قدم شخص في حالة ما إذا خالف مقتضى غض البصر فهذا وحده ليس كافياً في الوقوع في الحرام إذا كان الطرف الآخر ملتزماً بالستر الكامل الموجب لوقاية نفسه وغيره عن المعصية.
ومن كل هذا نفهم جانباً من حكمة التشريع ونعلم جهة من جهات رحمة الله تعالى بالإنسان بإيصاله للكمال الذي يحقق له سعادة الدارين.