شرائط الحجاب الشرعي

إنّ المتتبع لتأريخ ما قبل الإسلام يلاحظ أن ظاهرة الحجاب كانت موجودة آنذاك، حيث كانت النساء في الأمم والشعوب السالفة ترتدي الحجاب، فمنها من كان متشدداً ومنها من كان متهتكاً فجاء الإسلام وأكد اهتمامه في حفظ كرامة المرأة وصيانتها عن كل ما يؤدي إلى انتهاك شخصيتها في هذا المجال حيث وضع الأسس والحدود الكفيلة في رفع قدرها، سواء في بيتها أو خارجه فيما لو اختلطت مع الرجال لأداء وظائفها الملقاة عليها فيما يناسب شأنها، فوضع حدوداً وشروطاً للحجاب، وأوضح الموارد التي يجب عليها الالتزام بستر جسدها، والموارد التي لا يلزم عليها ذلك، ونذكرها كالآتي:

1- ستر الشعر

ذكرت الآية الكريمة: (...  وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...)[1]، والخمر هنا: جمع خمار، وهو ثوب تُغطّي به المرأة رأسها ورقبتها، والجيوب: جمع جيب، وهو من القميص موضع الشق الذي ينفتح على المنحر والصدر، ويقال:  إنّ النساء في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله)كنّ يلبسن ثياباً مفتوحة الجيب، وكنّ يلقين الخُمر ويسدلنها خلف رؤوسهنّ فتظهر آذانهنّ وأقراطهنّ ورقابهنّ وشيء من نحورهنّ للناظرين، فأمرت الآية بضرب خمرهنّ على جيوبهنّ، أي يلقين بما زاد من غطاء الرأس على صدورهنّ حتى يسترن بذلك آذانهنّ وأقراطهنّ وصدورهنّ، كما يفهم من بعض التفاسير كتفسير الأمثل وغيره [2].

ومما ساد في الأزمنة الأخيرة خروج المرأة - سواء كانت ربة بيت أو موظفة أو طالبة- إلى خارج البيت وهي مبدية لبعض شعرها، فلا يغطي الحجاب جميع شعرها، وقد أوضح الفقهاء في رسائلهم العملية وجوب ستر المرأة شعرها كله، وحرمة اظهار ولو جزءً قليلاً منه.

ذكرت الآية المتقدمة استثناء القواعد من النساء، أي العجائز اللآتي لا يصلحن للأزواج للنكاح، فلا يحرم عليهنّ إبداء ما هو المعتاد إظهاره من بدنهنّ، من كشف بعض الشعر والذراع ونحو ذلك، لا مثل الثدي والبطن ونحوهما ممّا يعتاد سترهنّ له؛ لقوله تعالى: (القَواعِد مِنَ النِساءِ اللاّتي لا يَرْجونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَليهِنَّ جُناحٌ أن يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبرّجات بِزينَة وأنْ يَسْتَعفِفْنَ خيرٌ لَهُنَّ واللهُ سميعٌ عليم )[3] وكذا الصغيرات اللاتي لم يبلغن الحلم؛ لخروجهنّ عن التكليف حينئذ.

2- ستر الجسد عدا الوجه والكفين

يجب على المرأة ستر جميع بدنها بالإضافة الى ستر الشعر، بما في ذلك القدمين لما ورد في قوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)[4]، فإن المرأة كلها عورة، كما ورد في بعض الروايات، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله)أنه قال: (النساء عورة)[5]، ويستثنى من بدنها الوجه والكفان وهذا يفهم من قوله تعالى: (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)، كما ورد في تفسير الميزان: ( وقد استثنى الله سبحانه منها ما ظهر، وقد وردت الرواية أن المراد بما ظهر منها الوجه والكفان والقدمان)[6].

فيجوز للمرأة إظهار كل من الوجه والكفين، بشرط أن لا يكون في ذلك خوف من الوقوع في الحرام أو يكون هناك داعٍ إلى إيقاع الرجل في النظر المحرم، ففي مثل هاتين الحالتين لا يُجوّز الإسلام إبداء المرأة لهما حتى الى المحارم.

ويشترط في اللباس الساتر للبدن والرأس أمور:

أولاً: أن لا يكون الحجاب زينة في نفسه وملفتاً للنظر

 مما ساد في زماننا لبس المرأة للملابس الجذابة بألوانها وموديلاتها مما جعلها معرضاً لتوجه أنظار الرجال الأجانب، فينبغي للمرأة المسلمة الإلتزام بما جاءت به الشريعة المقدسة، وقد ذكر الفقهاء ما يخص هذا المجال من شروط الحجاب وهو أن لا يكون زينة في نفسه وأن لا يكون ملفتاً للنظر.

ثانياً: أن لا يكون شفافاً يحكي ما تحته

 أي أن لا تكون ملابس المرأة شفافة رقيقة غير ساترة لما تحتها بحيث يرى من ورائها لون بشرتها فان الستر لا يتحقق بمثلها، فهي تجعل المرأة كاسية بالاسم، عارية في الحقيقة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضـربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات... لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) [7].

 وقد ذكر بعضهم أنّ هذا الحديث من معجزات النبوة، فقد وجد هذان الصنفان في هذه الأمة، فها هي بعض نساؤها تكسو نصف جسدها وتكشف الآخر، أو يلبسن ثوبا رقيقا يصف لون أبدانهنّ، مائلات عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه، مميلات أي يعلّمْن غيرهن فعلهن المذموم.

وفي رواية أخرى عنه (صلى الله عليه وآله): (سيكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر... نساؤهم كاسيات عاريات... العنوهن فإنهن ملعونات)[8]، والمياثر ثياب حريرية تعمل بالقس بفتح القاف موضع من بلاد مصر على ساحل البحر.

ثالثاً: أن لا يكون ضيقاً ومبرزاً لمفاتن المرأة

 ظهر في الآونة الأخيرة ارتداء النساء الملابس المبرزة لمفاتنها والملفتة لأنظار الرجال. وهذا ما يدعو الى إثارة الشهوة، ويعرض المجتمع للفتنة والفساد فعلى المرأة المسلمة أن يكون لباسها ساتراً فضفاضاً، لا يدعو الى الإثارة والفتنة والفساد، والعباءة خير لباس ترتديه المرأة فهي ساترة لجميع بدنها وتُجنِّبها كل ما يؤدي الى الريبة والفتنة والفساد.

رابعاً: أن لا يكون شبيهاً بزي الرجال

 عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام) قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يزجر الرجل أن يتشبه بالنساء وينهى المرأة أن تتشبه بالرجال في لباسها[9].

خامساً: أن لا يكون من لباس الشهرة.

  ولباس الشهرة: هو اللباس الذي لا يتوقع من الشخص أن يرتديه من أجل لونه أو كيفية خياطته أو من أجل كونه خَلِقا أو غير ذلك بحيث لو ارتداه بمرأى من الناس ومنظرهم لفت أنظارهم إلى نفسه وأشير إليه بأنه مخالف لما اعتادوه من مثله، وكان محطّ ظنتهم.

  فالإسلام الحنيف أولى اهتماماً كبيراً في حفظ حرمة المؤمن ونهاه عما يؤدي إلى هتك حرمته وإذلاله؛ لذلك حرَّم ارتداء لباس الشهرة لما يسببه من هتك لحرمة المؤمن نفسه وإذلاله لها.

 ومّما يرشد لذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام)، لعباد بن كثير البصري - وهو من المخالفين-، حينما دخل عليه وعليه ثياب الشهرة: فقال له الإمام الصادق: يا عباد ما هذه الثياب؟ قال: يا أبا عبد الله تعيب عليّ هذا؟ قال: نعم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من لبس ثياب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثياب الذل يوم القيامة قال عباد: من حدثك بهذا؟ قال: يا عباد تتهمني؟ حدثني والله آبائي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) [10].

وعن الحسين (عليه السلام) قال: من لبس ثوبا يشهره كساه الله يوم القيامة ثوبا من النار[11].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كفى بالمرء خزيا أن يلبس ثوبا يشهره أو يركب دابة تشهره[12].

سادساً: أن لا يكون شبيهاً بزي الكفار والرهبان.

  عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه (صلى الله عليه وآله) قال: من تشبه بقوم فهو منهم.[13]

  فإن في الحديث غاية في الزجر عن التشبه بالفساق أو بالكفار في أي شيء مما يختصون به من ملبوس أو هيأة، وعلى المرأة المسلمة الابتعاد عن ارتداء مثل هذه الملابس لما لها من الآثار الوخيمة والسيئة التي تؤثر على عباداتها وسلوكها وأخلاقها بل في جميع جزئيات حياتها.

سابعاً: أن لا يكون معطراً.

فينبغي للمرأة المؤمنة أن لا تتعطر للرجال الأجانب، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أَيُّما امرأةٍ استعطرت، فَمَرَّتْ على قومٍ ليجدوا ريحها، فهي زانية)[14].

 وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : (أي امرأة تطيبت ثم خرجت من بيتها فهي تلعن حتى ترجع إلى بيتها متى ما رجعت)[15]. وعنه (عليه السلام): (لا ينبغي للمرأة أن تجمر[16] ثوبها إذا خرجت من بيتها)[17].

 

 


[1] سورة النور: آية 31.

[2] تفسير الأمثل: ج11 ص78.

[3] سورة النور: آية 60.

[4] سورة النور: آية 31.

[5] بحار الأنوار:  ج 100 ص 250.

[6] تفسير الميزان: ج15 ص111.

[7] مستدرك سفينة البحار : ج 10 ص 52.

[8] مستدرك الوسائل: ج4 ص436.

[9] وسائل الشيعة: ج5 ص25.

[10] بحار الأنوار: ج 76 ص314.

[11] الكافي: ج6 ص445.

[12] المصدر السابق.

[13]دعائم الإسلام ج2 ص513 ح1838.

[14] مستدرك الوسائل: ج2 ص396.

[15] الكافي: ج5 ص518.

[16] التجمير: من التطيب بل أشد رائحة.

[17]الكافي: ج5 ص519.